قصة قصيرة- زياد شليوط – شفاعمرو - الجليل
لم يعِ وحيد نفسه، كيف فزّ من سريره مهرولا نحو مكان الاختباء، الذي صممه لنفسه بحيث لا يتسع لغيره، ولماذا يتسع لآخرين طالما أنه يعيش لوحده في البيت. لهذا لجأ إلى إعداد زاوية صغيرة في البيت، يدلف إليها عندما يسمع صافرات الانذار تدوي في سماء بلدته، التي أنعمت عليها الحكومة بالصافرات لانقاذ حياة سكان المستوطنة المجاورة لبلدته، والتي نبتت فجأة على أراضي بلدته، وباتت مستوطنة بل مدينة صغيرة تتوفر فيها كل وسائل الراحة والترفيه مثل: بركة سباحة وطرق واسعة وحدائق فسيحة وألعاب للأطفال، لم ير مثلها وحيد في بلدته.
قبل أن ينهض عند الساعة السادسة صباحا ليستعد للتوجه إلى عمله، حيث يقوم بتحضير الزوادة لوحده، فهو يعيش لوحده كما علمنا وعليه أن يرتب حاجياته لوحده، فلا أمّ تسهر على احتياجاته ولا زوجة تلبي طلباته. أعدّ الزوادة على النحو الذي خطط له مساء اليوم السابق، ووضع ما يحتاجه من طعام وشراب وحلوى. فجأة هبّ منزعجا عندما زعق هاتفه الجوال منذرا باقتراب اطلاق صافرات الإنذار، التي تنذر باقتراب وصول الصواريخ القادمة من بلاد فارس، والتي تدب الرعب في أوصاله، كما كانت تفعل الصواريخ المنطلقة من غزة أو جنوب لبنان. دخل منطقة الحماية الذاتية، ليس قبل أن يتناول الخوذة ويضعها على رأسه، احتياطا اذا ما انهار سقف البيت أو جدار الغرفة، على الأقل يبقى رأسه سالما اذا ما حدث مكروه لا سمح الله.
يخرج من مخبئه، يلتفت يمينا ويسارا وكأنه يبغي قطع شارع عمومي. يتوجه نحو بيت الجيران، فيرى أهل البيت يجلسون، يحللون ويتناقشون، وتعلو أصواتهم وقد اختلفت آراؤهم. يحاول التداخل في الكلام، فيغيظه أن أحدا لا يسمعه أو يعيره اهتماما، فيقول في نفسه: يظنون أنفسهم يفهمون ما يجري في عالمنا، إني أشفق عليهم لأنهم لا يدرون ما يقولون! غادر المكان دون أن يشعر بانسحابه أحد. وبعدما هدأ النقاش قليلا وخفتت الأصوات استعدادا لجولة جديدة من اللغط الكلامي، انتبه أحدهم وسأل المجموعة: أين وحيد، وكيف اختفى؟ فأجابه آخر: انه يهذي ويثرثر، ولا نفهم ما يقول، يبدو أن الجلوس معنا لم يعد يعجبه!
يغادر وحيد المكان خائبا متجها الى بيته، يلجأ إلى هاتفه الجوال، يفتح صفحة الفيسبوك ويتجول فيها علّه يرتاح من تلك النقاشات المزعجة التي لا تنتهي، فيرى العجب العجاب من التفاهات والسخافات. يشاهد صور الفنانات وخاصة اللبنانيات وهن يستعرضن مفاتنهن، فيستغرب فعلهن والهدف منه. ألا يشبعن من الظهور على الشاشات ولا تكفيهن المسلسلات حتى يلجأن الى عرض أجسادهن بهذا الشكل الرخيص؟ والأنكى أنهن كل يوم يظهرن بلباس مختلف، وبالأمس كنّ يتباكين على أهل لبنان والفقر المستشري هناك. لم أر أكثر عهرا منهن في حياتي! قال في سرّه.
ينتقل وحيد الى الانستغرام فيواجه عروضا من نوع آخر. أشكال وألوان من الشخصيات منها النسائية ومنها الرجالية. هذه تحمل كوبا من النيس وذاك يضع فنجان القهوة أمامه. واحدة تبرز شفاهها المنفوخة، وآخر يعج على سيجاره يقلد أحد الفنانين المعروفين. وجميعهم يدللون على بضاعتهم. ويعلق مخنوقا: لم تبق واحدة تعلمت دورة فيما يسمى التنمية البشرية، أو العلاج بالفنون وغيرها من الصرعات التي أغرقونا فيها، والتي زادت العقد في مجتمعنا إلا وأدلت بدلوها. وتطل عليه مستشارة للأسرة عارضة مواهبها في حل المشاكل الزوجية، ويستغرب كيف تزداد حالات الطلاق بين الأزواج الشابة خاصة. وسرعان ما يقفز أمامه أحد المهرجين في التنمية دون استئذان، يستعرض سخافاته التي باتت مستهلكة من شدة تكرارها.
يواصل البحث والسفر، فيصطدم بجيش المتفلسفين والمنظرين الذين يأتون بثرثرات لا أول لها ولا آخر مدعين أنها تحليلات سياسية وعسكرية، وهم لم يصلوا إلا إلى أعتاب المراكز السياسية، إضافة إلى أنهم لا يعرفون أي مركز عسكري أو أنواع الأسلحة. فيقول في نفسه: والله إن الجلسة مع أبناء الجيران أرحم بكثير.
وقبل أن يستفيق من جولته المكوكية في صفحته الفيسبوكية، حتى انطلقت صافرات الإنذار الملعونة، وقد غابت عن فكره التعليمات الجديدة التي أعلنت عنها قيادة الجبهة الداخلية، بعدم نشر تنبيه مبكر للصافرات، فلم يع نفسه إلا وهو داخل قفصه الذي صنعه لنفسه حاجبا ذاته عن العالم الخارجي.
[email protected]
أضف تعليق