كلمة الشَّاعِرة والمُترجِمة تغريد بو مرعي*
عن تَرجَمة "مفاتيح السَّماء" للُّغةِ الإيطاليَّة:

منذُ الأزل، كان الشِّعرُ نافذةَ الإنسانِ نحوَ عَوالِمَ تتجاوَزُ حُدودَ الواقعِ المَلموسِ، وجِسرًا يعبُرُ به نحوَ أَعماقِ ذاتِهِ وروحِهِ. إنَّه الفنُّ الذي ينسِجُ الكلماتِ لتُصبحَ صَدىً للمَشاعِر، ومِرآةً للتَّجاربِ الإِنسانيَّةِ في أَبهى صُوَرِها. ومن بينِ أشكالِ الشِّعرِ المُتعدِّدَة، يَبرُزُ الشِّعرُ الرُّوحيُّ أو الصُّوفيُّ كصوتٍ داخليٍّ يبحثُ عن الحقيقةِ الأسمى، عن النُّور في قلبِ العتمةِ، وعن المعنى في خِضَمِّ الفَوضى.

الشِّعرُ الرُّوحيُّ ليسَ مجرَّدَ كلماتٍ تُرتَّبُ في قَوالِبَ جَماليَّةٍ، بل هو تجربَةٌ وجُوديَّةٌ عميقةٌ، تعكسُ رحلةَ الشَّاعرِ نحوَ فهمِ الذَّاتِ والكونِ والخالقِ. إنَّه تأمُّلٌ في الحياةِ والموتِ، في الفقدِ والرَّجاءِ، وفي اللِّقاءِ مع الذَّاتِ العُليا التي تتخطَّى الجسدَ والمادَّةَ. أمَّا الشِّعرُ الصُّوفيُّ، فهو ذلك النَّوعُ الذي يغوصُ في بحرِ التَّصوُّفِ، حيثُ يتحوَّلُ الشَّاعر إلى سَالِكٍ في طريقِ العشقِ الإلهيّ، مُتجرِّدًا من الأنا، ومُتَّحِدًا مع المُطلَقِ. في هذا السِّياقِ، لا تعودُ القصيدةُ مُجرَّدَ نصٍّ يُقرأ، بل تصبحُ تجربةً تُعاشُ وتُحَسُّ، رحلةً نحوَ المُطلقِ لا تعترفُ بالحدودِ الزَّمانيَّةِ أو المكانِيَّةِ.

مفاتيحُ السَّماءِ، للشَّاعرِ وهيب نديم وهبة، هو عنوانٌ يفتحُ أمامَ القارئِ آفاقًا لا متناهيَةً من التَّأمُّلِ والرُّوحانِيَّةِ. إنَّه ليسَ مُجرَّدُ ديوانٍ شعريٍّ، بل دعوةٌ لاكتشافِ الذَّاتِ والعالمِ من مَنظُورٍ أسمى، حيث الكلماتُ تتحوَّلُ إلى مفاتيحَ تفتحُ أبوابَ السَّماءِ، وتُحرِّرُ الرُّوحَ من قُيودِ الأرضِ. الشَّاعرُ وهيب نديم وهبة استلهَمَ قصيدَتَهُ هذه من الإنجيلِ المُقدَّسِ، مُستحضِرًا روحَ النُّصوصِ المُقدَّسَةِ في تَأمُّلاتِهِ الشِّعريَةِ. فكلُّ بيتٍ من أبياتِ القصيدةِ يَنبضُ بحكمةٍ روحيَّةٍ، ويمتدُّ بجذورِهِ إلى عمقِ التَّجربَةِ الإنسانيَّةِ مع الإيمانِ والخلاص.

من الجميلِ أن نرى مثل هذه الأعمالِ الأدبيَّةِ تتخطَّى حُدودَ اللُّغةِ الأصليَّةِ لتصِلَ إلى قُلوبِ قُرَّاءٍ من ثقافاتٍ مختلفةٍ. التَّرجمَةُ ليسَت مجرَّدَ نقلِ كلماتٍ من لغةٍ إلى أخرى، بل هي جسرٌ يمتدُّ بين الشُّعوبِ، وحوارٌ صامتٌ بين الثَّقافاتِ. في هذا السِّياقِ، جاءت ترجمَةُ مفاتيحِ السَّماءِ إلى اللُّغةِ الإيطاليَّةِ كخطوةٍ نحوَ توسيعِ دائرةِ الضَّوءِ التي تشِعُّ منها هذه القصيدةُ، لتِصلَ إلى قرَّاءٍ يتشاركونَ نفسَ التَّوقِ إلى الفهمِ الرُّوحيِّ، حتّى وإن اختلفَت لغاتُهم.

لقد آمنتُ، أنا تغريد بو مرعي، وأنا أترجمُ هذه القصيدةَ إلى الإيطاليةِ، أنَّ اللُّغةَ هي مفتاحُ القلوبِ، وأنَّ نقلَ روحِ القصيدةِ يتطلَّبُ أكثرَ من مجرَّدِ فهمٍ للكلمات.
كان عليَّ أن أحافظَ على النَّغمةِ الدَّاخليَّةِ للنَّصِّ، على عُمقِهِ وتأمُّلاتِهِ، دونَ أن أفقِدَ تلك الشَّرارةَ التي تجعلُ القصيدةَ تنبضُ بالحياةِ. كان التَّحدِّي يكمُنُ في نقلِ ليسَ فقط المَعنى، بل الإحساسِ، ذلك الشعورِ الغامرِ الذي يترُكهُ النَّصُّ في قلبِ قارئِهِ. وقد سعَيتُ بكلِّ إخلاصٍ لأن تظلَّ الرُّوحُ الشَّاعريَّةُ حاضرةً بقوَّةٍ، كما أرادها الشَّاعرُ، حتّى في ثوبِها الجديدِ.

الشِّعر، في جوهرِهِ، هو لغةٌ كونيَّةٌ. رغمَ اختلافِ الألسِنَةِ واللَّهجاتِ، تبقى المَشاعرُ الإنسانيَّةُ هي الرَّابطُ الذي يجمعُنا جميعًا. الحُبُّ، الفَقدُ، الرَّجاءُ، والبحثُ عن المعنى، هي تجاربُ مشتركةٌ بين البشرِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ.

وعندما نُترجمُ نَصًّا شعريًّا، نحن لا ننقلُ مجرَّدَ حروفٍ، بل نَحمِلُ جزءًا من هذه التجربةِ الإنسانيَّةِ إلى قلوبٍ جديدةٍ. وهذا ما يجعلُ التَرجمةَ عملًا إبداعيًّا بِحدِّ ذاته، يتطلَّب حساسيَّةً شعريَّةً وفهمًا عميقًا للثَّقافتَينِ: الأصليَّةِ والمُستقبِلَةِ.

إنَّ مفاتيحَ السَّماءِ ليست فقط قصيدةً تُقرأ، بل هي دعوةٌ للتَّأمُّلِ والتَّفكُّرِ. عنوانُها وحدَهُ يحمِلُ دلالاتٍ عميقةً، فهو يوحي بأنَّ هناكَ أبوابًا مغلقةً تنتَظِرُ أن تُفتحَ، وأنَّ هناك عالمًا روحيًّا ينتظرُ من يكتشفَهُ. إنَّها تُذكِّرُنا بأنَّ السَّماءَ ليست بعيدةً، وأنَّ مفاتيحَها قد تكون كامنةً في داخلِنا، في قلوبِنا وعقولِنا. القصيدةُ تحملُ القارئَ في رحلةٍ روحيَّةٍ، تتنقلُ بين الأرضِ والسَّماءِ، بين الواقعِ والحلمِ، بين الألمِ والأملِ.

في زمنٍ يطغى فيه الصَّخبُ وضجيجُ الحياةِ اليوميَّةِ، تأتي هذه القصيدةُ كفسحةٍ للتَّأملِ، كمساحةٍ للهدوءِ والسَّكينةِ. إنَّها تذكِّرُنا بأهمِّيَّةِ العودةِ إلى الذَّاتِ، إلى جوهرِنا الحقيقيِّ، بعيدًا عن المظاهرِ والضوضاءِ. وفي هذا العالمِ المتغيِّرِ، تبقى مثلُ هذه الأعمالُ الأدبيَّةُ شاهدًا على قدرةِ الإنسانِ على البحثِ عن النُّورِ في أحلكِ اللَّحظات.

مفاتيح السَّماءِ هو أكثرُ من مجرَّد نصٍّ شعريٍّ، إنَّه شهادةٌ على قوَّةِ الكلمةِ، وعلى قدرةِ الشِّعرِ على لمسِ الرُّوح. وهو أيضًا تذكيرٌ بأهمِّيَّةِ التَّرجمَةِ كوسيلةٍ لنقلِ هذه الرَّسائلَ إلى أبعدِ مدىً ممكنٍ. فكلُّ لغةٍ تضيفُ بُعدًا جديدًا للنَّصِّ، وتفتحُ له آفاقًا جديدةً من الفهمِ والتَّأمُّلِ.
وأنا أُقدِّمُ هذه التَّرجمةَ للقارئِ الإيطاليِّ، أشعرُ بأنَّني أُسهمُ في بناءِ جسرٍ من التَّواصلِ بين الثقافات، جسرٍ يمتدُّ بينَ الشَّرقِ والغربِ، بين روحانيَّةِ النَّصِّ وأفقِ القُرَّاءِ المتنوّعين.

في النِّهاية، تبقى القصيدةُ تجربةً شخصيَّةً لكلِّ قارئٍ، يفسِّرُها ويفهمُها بناءً على تجاربِهِ وخبراتِهِ. ولكن، في جوهرِها، تظلُّ مفاتيحُ السَّماءِ دعوةً للبحثِ عن الحقيقةِ والجمالِ في عالمٍ مليءٍ بالتَّحدِّياتِ. إنَّها قصيدةٌ تحتفي بالإنسانيَّةِ، وتؤكِّد أنَّ الرُّوحَ قادرةٌ على التَّحليقِ، مَهما كانت القُيودُ التي تحيطُ بها.
بهذه الرُّوحِ، أُقدِّمُ ترجمةَ مفاتيحِ السَّماءِ إلى القارئِ الإيطاليِّ، على أملِ أن يجدَ في كلماتِها النُّورَ الذي وجدَهُ الشَّاعرُ، وأن يشعرَ بصداها العميقِ في قلبِهِ، كما شعرتُ به وأنا أنقلُها من لُغةٍ إلى أخرى.
لأنَّ الشعرَ، في النِّهايةِ، هو لغةُ القلوبِ، وجسرٌ يربطُ بين الأرواحِ، مهما اختلفَت الألسِنَةُ.

مَفَاتِيحُ السَّمَاءِ:
رِحلَةُ سَيِّدِنَا المَسِيحِ عَلَيهِ السَّلامُ، مِن أَرضِ كِنعَانَ إِلى أَرضِ الكِنَانَةِ، لِنَشرِ رِسَالَةِ اللهِ وَالعَدلِ وَالمَحَبَّةِ.
حَمَلَت المَفَاتِيحَ كَوكَبَةٌ مِن الأَسَاتِذَةِ الأُدَباءِ. المُقَدِّمَةُ الوَاسِعَةُ وَالعَمِيقَةُ: الأَدِيبُ نَايف خُورِي، قَصيِدَةُ "المَجدِ"، المُهدَاة للشّاعِرِ وَهِيب مِن الشَّاعِرِ وَالبَاحِثِ الدُّكتُور فَهِد أَبُو خَضرَة، وَكَلِمَةُ الأَديبِ وَراعِي الثَّقَافَةِ: نَاجِي نُعمَان لِلطَّبعَةِ الجَدِيدِةِ، مَع تَثبِيتِ كَلِمَةِ الطَّبعَةِ السَّابِقَةِ. ثُمَّ لَمحَةٌ مُختَصَرَةٌ عَن المُتَرجِمَةِ وَعن وَهيب وَهبة.
تُزيّنُ المَفاتيحَ لوحَةٌ بِريشَةِ قُدسِ الأب: سمير روحانا، كاتبِ الأَيقوناتِ وكاهنِ رَعِيَّةِ عسفيا للرُّومِ المَلَكِيينَ الكاثُوليك. وتَصميمُ المُبدعِ عمير الباشا.
• الكلمة للشاعرة المترجمة تغريد من الإيطالية الى اللغة العربية.
الشَّاعِرةُ، المُترجِمَةُ: تَغرِيد بو مِرعِي:
لُبنَانِيَّةُ الجُذورِ. مُقيمَةٌ في البَرازيلِ. مَشهُورَةٌ على نِطاقٍ عَالَمِيٍّ في الشِّعرِ والأِدبِ والإعلامِ والتَّرجَمَةِ. تُتَرجِمُ مِن العَرَبيَّةِ ومِن اللُّغَاتِ الأِجنَبِيَّةِ الشِّعرَ والرِّوَايَةَ والأنْثُولُوجْيَا.
اللُّغاتُ: الإنجليزيَّةُ- الإيطالِيَّةُ- الإسبَانِيَّةُ- البُرتُغالِيَّةُ- الفَرنسِيَّةُ.
تَمّ تَسمِيَتهَا ضِمْنَ أبْرَز 20 صِحَفِيًّا دُوَلِيًّا مِن قِبَلِ LEGACY CROWN
تَمّ تَسْمِيَتهَا ضِمْنَ أفْضَل 50 ٱمرَأة مِنْ آسْيا تَرَكْنَ أثَرًا فِي الأدَبِ الحَدِيث.
قَامَتْ بِترْجَمَةِ 36 كِتَابًا لِغايَة هٰذا ٱلتّارِيخ ومِئَاتِ القَصَائِد لِشُعَراء عَرَب وأجَانِب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]