أنا لا أخاف الموتَ،
لكني أرتجفُ من أن تمرّ روحي خفيفةً
كأنها لم تترك أثرًا في طريق،
ولا دمعةً على خدّ قصيدة،
ولا بسمةً في فمِ طفلٍ
نام على حكايةٍ لم تُروَ بعد...
أنا لا أهاب القبور،
لكني أخاف أن يُنسى اسمي
بين أسماءٍ كتبها الرملُ
ومحاها أول ريحٍ جاحدة...
أريد موتًا ناعمًا،
كجناحِ حمامةٍ تُحلّقُ من جدارٍ إلى سماء،
موتًا يُشبِه دعاءَ أمي قبل النوم،
صمتَ أبي حين يبتسمُ للسماء،
وحزنَ الناياتِ حين تهجرها الأصابع.
الموتُ عندي ليس عدوًا،
هو فقط رسولٌ طيّب،
يأخذُنا من خيمةٍ من وهم
إلى حضنِ الخلود...
هو ليس نهايةً،
بل بدايةٌ أكثر صدقًا،
أكثر صفاءً،
حيث لا مرآةَ تكذب،
ولا زمنَ يُخيف،
ولا قلوبَ تنكسرُ في الزوايا.
الموتُ صوفيٌّ في جوهره،
لا يصيبُ إلّا من لم يُحبّ،
ولا يوجعُ إلّا مَن عاش بعيدًا عن النور،
ولم يُصافح الله في قلبه،
ولا في قلبِ غيره.
وحين يأتي إليّ،
خذوني كما أنا:
قصيدةً ناقصةَ الوزن،
نغمةً ضاعت عن وترٍ قديم،
ونسمةً خجلى هربت من شقّ جدارٍ قديم.
واكتبوا على شاهدةِ قبري:
"هنا ترقد من كانت تسقي الحبَّ من جرن الصبر،
وترتلُ للعتمةِ نورًا
كأنها شمعةٌ لا تطلب شيئًا سوى أن تُضيء."
لا تبكوا عليّ،
بل ازرعوا فوق ترابي وردةً،
وغنّوا لي بصوتٍ عذب:
"عاشت حُرّةً، وماتت عاشقةً لله."
أنا لا أخاف الموت،
لكني أتمنى أن يجدني طاهرةً،
خاشعةً،
وفي يدي سُبحةُ الشكر،
وفي قلبي رغبةٌ أخيرة
أن أذوب في النور
كما يذوب الملح في البحر،
ثم أعود قطرةً
في غيمةٍ تروي الأرض التي أحببتُ.
[email protected]
أضف تعليق