كتب: *عوفر دغان، المدير العام الشريك في جمعية سيكوي-أفق
ألغت المحكمة اللوائية في بئر السبع الأسبوع الماضي الموافقة على مخطط توسيع مدينة ديمونا الذي هدد بتهجير جميع سكان قرية راس جرابة، وأمرت اللجنة اللوائية الجنوبية بدراسة طلب سكان القرية بدمجهم في إطار تخطيط الحي الجديد. يمثل هذا القرار إنجازاً مهماً نتج عن النضال المستمر لسكان القرية والمرافقة المهنية من مركز عدالة وجمعية "بمكوم".
هذا الإنجاز المهم، الذي نجح على الأقل في تعليق مخطط تهجير القرية، يشكل أيضاً فرصة للإمعان بالصورة الأوسع للنضال من أجل الاعتراف بالقرى العربية في النقب والمساواة الكاملة، وفحص التحديات السياسية التي تواجهه في هذه الفترة.
أحد أوجه السياسة الحكومية المعروفة نسبياً هو السعي لإقامة مستوطنات يهودية - أو في الحالة المذكورة أحياء لليهود فقط - على حساب أراضي سكان القرى مسلوبة الاعتراف. الوجه الآخر لنفس السياسة هو السعي لحشر وتركيز سكان القرى مسلوبة الاعتراف داخل البلدات العربية-البدوية القائمة، بطريقة تضر ليس فقط بسكانها المعرضين للتهجير، وإنما أيضاً بآفاق تطوير تلك البلدات.
في هذا السياق، صادقت الحكومة مؤخراً على مخطط الوزير "شيكلي"، بينما تصاعدت في الخلفية موجات هدم المنازل التي وصلت ذروتها مع عمليات الهدم الواسعة في قرية السر. فالخطة التي تُقدَّم على أنها مشروع تطويري، هي في الواقع أضخم خطوة تقوم بها الدولة لتهجير المواطنين العرب البدو من أراضيهم منذ خطة برافر التي أُلغيت قبل أكثر من عقد عقب الاحتجاج الجماهيري الواسع الذي انطلق في حينه.
الخطة التي أُقرت مؤخراً في "اللجنة الوزارية لشؤون المجتمع البدوي" عبارة عن مشروع تجريبي معدّ للتطبيق في خمس بلدات: كسيفة، واللقية، وأبو تلول، وسعوة، ومرعيت. تَعِد الخطة ب"نهضة تطويرية" في البلدات البدوية في الجنوب، من خلال إلغاء دعاوى جزء من سكان البلدات لملكية أراضيهم ضمن حدودها، والتي تُصنفها الخطة كعائق رئيسي، لكن في الممارسة العملية - نتحدث عن خطة لا تحمل أي شيء يخص التطوير الحقيقي.
وفقاً للخطة، سيُعرض على المطالبين بملكية الأرض داخل حدود البلدة تعويض جزئي مقابل التنازل عن الدعاوى، بحيث يتناقص التعويض كلما رفضوه. بحال أصروا على الرفض - قد تُصادَر الأرض، بل ويتمّ إخراجها من نطاق حدود البلدة أيضاً. بعبارة أخرى، من لا يستسلم - يُعاقَب.
أحد المبررات المركزية المطروحة في إطار الخطة أنه - وفقاً لادعاء الحكومة - في البلدات البدوية هناك مساحات كبيرة جداً بالنسبة لعدد سكانها، وبالتالي فإن دعاوى الملكية التي يحتفظ بها سكان البلدات في كثير من مساحاتها، تمنع سكان القرى المجاورة، مسلوبة الاعتراف، من الانتقال إليها، وبذلك تمنع تطويرها.
لكن البيانات الفعلية تُظهر صورة معاكسة. في أبو تلول وسعوة، مثلاً، يقطن كل بلدة نحو 5000 نسمة على مساحة تبلغ حوالي 11 ألف دونم - نسبة 2.2 دونم للفرد. هذه تماماً نفس النسبة كما في "عومر" - البلدة اليهودية المجاورة، التي لا يدّعي أحد بأن "سكانها منتشرون على مساحات أوسع بكثير مما يحتاجونه"؟
ماذا إذا قارنّا كسيفة واللقية بميتار؟ في كسيفة واللقية يقطن 21 ألف نسمة في كل بلدة على 13 ألف دونم - 0.6 دونم للفرد. في ميتار النسبة معاكسة تقريباً: 11 ألف نسمة على 24 ألف دونم - أي 3.5 أضعاف المساحة للفرد الواحد. إذاً، إن كانت هناك مشكلة "استغلال مساحات يتعدى حاجة السكان"، فهي ليست لدى البلدات البدوية. ما نواجهه هنا ببساطة معايير مزدوجة - واحد للبلدات اليهودية، وآخر للبلدات العربية-البدوية.
هذا الوضع هو نتاج سنوات طويلة من التمييز في سياسة الأراضي ومساعٍ واسعة لتركيز أكبر عدد ممكن من المواطنين العرب في أقل قدر ممكن من المساحات والأراضي. هذه السياسة أنتجت حتى اليوم مدناً تضربها البطالة والجريمة والفقر. لذلك، فإن الافتراض بأن دمج مزيد من السكان في البلدة سيجلب التطوير الاقتصادي - مفند من أساسه. البلدات البدوية تعاني أصلاً من نقص حاد في البنى التحتية والتوظيف والمواصلات والخدمات العامة. في هذه البلدات، الإنفاق المتوسط على الخدمات العامة للفرد هو من الأدنى في إسرائيل. إدخال سكان إضافيين يُهجَّرون إليها قسراً من بيوتهم لن يحل شيئاً - بل سيعمق المعاناة أكثر.
إذا كانت الدولة تريد حقاً تعزيز التطوير، عليها توسيع مناطق النفوذ، لا تقليصها: إضافة أراضي دولة، الاستثمار في المناطق الصناعية، إتاحة خدمات التعليم والصحة - هذه هي الأسس الحقيقية للتطوير. لكن خطة شيكلي تسير في الاتجاه المعاكس تماماً: تهدد بنهب أراضٍ من البلدات ومعاقبة جميع السكان.
صحيح، دعاوى الملكية هي جزء أساسي من الخلاف طويل الأمد بين المواطنين البدو والدولة. منذ 50 عاماً والدولة تحاول حل هذه المشكلة بالقوة، وتفشل مراراً وتكراراً. لكن الدعاوى ليست العائق الرئيسي أمام تطوير هذه البلدات، وإن كان أحد يحتاج دليلًا على ذلك - يمكن النظر للبلدة البدوية شقيب السلام. فقط 2% من مساحتها تقع تحت دعاوى ملكية - ومع ذلك، هي بين البلدات الأضعف في إسرائيل.
من أجل تعزيز التطوير الحقيقي مطلوب تغيير جوهري ومبدئي في السياسات - الانتقال من أدوات الحسم إلى أدوات بناء الثقة؛ والثقة لا تُبنى فقط بالتصريحات بل بسياسة تنادي وتطبّق مبدأ المساواة. في اليوم الذي تثبت فيه الدولة للمواطنين العرب في النقب أن نفس الموارد المُعطاة للبلدة اليهودية تُعطى أيضاً للبلدة العربية - أرض، خدمات صحة وتعليم، مناطق توظيف وصناعة، في اليوم الذي تتوقف فيه عن تهديد عشرات القرى بالهدم والتهجير وتخلق لها أفقاً للاعتراف والتطوير؛ في ذلك اليوم، الذي تتحدث فيه الدولة أخيراً مع المواطنين البدو نداً لند، سيكون بالإمكان الوصول لحل عادل يحفظ حقوقهم ويعزز تطوير المنطقة لصالح جميع سكانها.
[email protected]
أضف تعليق