تقف إسرائيل في طليعة الدول المتقدمة في تقديم خدمات الطب عن بُعد (التليميديسين)، وهي ظاهرة تسارعت خلال جائحة كورونا وأصبحت منذ ذلك الحين جزءاً أساسياً من خدمات صناديق المرضى. ومنذ السابع من أكتوبر، وخصوصاً مع تصاعد الحرب مع إيران، توسّعت هذه الخدمات بشكل كبير، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في الطلب عليها.
في مستشفى "بلينسون NEXT" سُجّلت زيادة بنسبة 132% في عدد الزيارات الافتراضية منذ بدء التصعيد مع إيران. وتوضح الدكتورة أشرت فونو ياتيف، نائبة مدير المستشفى، أن الطواقم كثّفت الاستجابة الرقمية منذ عملية "السيوف الحديدية"، وأن المرضى أبدوا تجاوبًا كبيرًا مع المواعيد الافتراضية، خصوصاً في أقسام القلب (375%)، الكلى (215%)، الأورام (163%) والجراحة والأعصاب (135%).
صناديق المرضى تقدم خدمات متنوّعة تشمل مكالمات هاتفية مع طبيب العائلة، تجديد وصفات طبية، وتحويلات طبية عبر التطبيقات، بالإضافة إلى استشارات تخصصية عبر الهاتف أو الفيديو.
وفقًا لمعطيات صندوق "كلاليت"، شهدت الأيام الأربعة الأولى من المواجهة مع إيران ارتفاعًا بنسبة 40-50% في طلبات الطب عن بُعد بمجال طب العائلة والأطفال، مع أكثر من 65 ألف استشارة حتى الآن. ويقول الدكتور ماريو شترن، المدير الطبي للخدمة، إن القلق من التعرض للإنذارات الصاروخية أثناء التوجه للعيادات دفع الكثيرين لتفضيل الاستشارة الافتراضية، التي أصبحت تُقدَّم على مدار الساعة.
رغم أن الاستشارة تُجرى غالبًا مع طبيب ليس الطبيب الدائم للمريض، إلا أن الطواقم تحيل الحالات المستعجلة للمستشفيات عند الحاجة، ويُغلق الكثير من الدوائر العلاجية عبر الخدمات الرقمية.
وفي "مكابي"، أفادت المعطيات بزيادة بنسبة 30% في استخدام الخدمات الرقمية، وتوضح الدكتورة تانيا كردش أن أكثر من نصف الطلبات تتعلق بتجديد الأدوية، معتبرة أن العصر الحالي يتطلب توافر الخدمة حسب توقيت المريض. وتضيف أن وجود ملف طبي إلكتروني لكل مريض في إسرائيل يجعل من الطب عن بُعد أكثر فاعلية مقارنة بدول أخرى.
خدمات الاستشارة الجلدية، التي تعتمد على إرسال صورة عبر التطبيق، هي من أبرز الابتكارات، نظراً لاعتماد هذا التخصص على التشخيص البصري.
وفي صندوق "مؤوحيدت"، لوحظت زيادة بنسبة 25% في اللجوء إلى أقسام الطوارئ الهجينة، و10% في زيارات الفيديو والاستشارات الجلدية، و40% في الطلبات من صيدلية "مؤوحيدت أونلاين".
أما في "لئوميت"، فقد شهدت زيادة بنسبة 50% في خدمات الطب الهاتفي للأطفال والعائلة والجلدية، نتيجة تفضيل المواطنين البقاء في منازلهم لتفادي المخاطر الأمنية.
في ظل إغلاق المجال الجوي، تستقبل الصناديق طلبات من إسرائيليين عالقين في الخارج، خاصة من أصحاب الأمراض المزمنة، الذين لا يستطيعون الحصول على وصفات طبية في الخارج. ولذا طوّرت "مكابي" خدمة "المحفظة الذكية" التي تمكّن المريض من عرض بياناته الطبية المحلية على مقدّمي الخدمات في الدول التي يقيم فيها.
المستشفيات الافتراضية: المستقبل بدأ
منذ 2021، تأسس مستشفى "شيبا بيوند" الافتراضي، ويقدّم حالياً نحو 20 خدمة منزلية، تشمل دخولات استشفائية نفسية وداخلية وجراحية، ومتابعة للحمل عالي الخطورة، وتأهيل قلبي وعقلي. وفي 2024، بلغ عدد الاستشارات عن بُعد فيه نحو 115 ألفاً.
كما أن مستشفى "بلينسون NEXT" يُقدّم خدمات زيارات طبية منزلية في مجالات متعددة. وتفيد التقارير أنه تم تنفيذ نحو 100 ألف زيارة افتراضية خلال العام الماضي.
أصوات من الميدان
أمنون غريل، البالغ من العمر 72 عامًا من رعنانا، الذي يخضع لعلاج مشاكل في الصوت والنطق، أكد أن تلقي العلاج عن بُعد يخفف الزحام ويوفر الوقت والتكاليف، خاصة للمرضى القادمين من مناطق بعيدة مثل إيلات.
أما مايا (30 عامًا)، فتقول إن الخدمات الرقمية وفّرت عليها الانتظار المطوّل في تحديد مواعيد مع أطباء الأسرة والجلدية والأنف والأذن والحنجرة، مشيدة بسرعة الاستجابة وتلقي الوصفات مباشرة عبر التطبيق.
البنية التكنولوجية والدعم المؤسسي
شركة "فِمي" (FEMI)، التي تتعاون مع جميع صناديق المرضى، توفّر البنية الرقمية لهذه الخدمات، ومن أبرز ابتكاراتها منصة UMMANU التي تُعد من أكثر المنصات تقدمًا في العالم، وتدير من خلالها ملايين الاستشارات والعلاجات سنويًا.
تقول د. غاليا بركاي، مديرة "شيبا بيوند"، إن التحول إلى الطب الرقمي ما يزال في بدايته، لكن النمو المتزايد يبشر بتقليص الضغط على المستشفيات، وتقليل التكاليف، وتقليل الانبعاثات البيئية الناتجة عن التنقل، مع إتاحة العمل عن بعد للطاقم الطبي، بما يشمل أطباء يعملون من خارج البلاد.
وتضيف: "العالم يتجه نحو طب رقمي يوفّر كل ما لا يتطلب فحصًا جسديًا مباشرًا. ومع الوقت، سيمكن تقديم حتى الإجراءات المعقدة عن بُعد عبر التكنولوجيا".
[email protected]
أضف تعليق