قرار وزارة الداخلية، الذي صدر اليوم والذي يفي بحلّ المجلس البلدي في الناصرة وتعيين لجنة معينة لإدارة المدينة هو قرار دراماتيكي بكل معنى الكلمة. نحن نتحدث عن أكبر مدينة عربية في البلاد، مدينة ذات مكانة ورمزية تاريخية وثقافية واقتصادية، ليس فقط لسكان الناصرة، بل لكافة ابناء المجتمع العربي في البلاد، تنتقل الآن من أيدي سكانها – "الشعب" – إلى أيدي السيادة – الدولة.
صحيح أن الناصرة عانت خلال السنوات الأخيرة من صعوبات كبيرة في الإدارة اليومية للبلدية: ميزانيات غير متوازنة، خلل في تقديم الخدمات، صراعات سياسية مستمرة، وعجز عن صياغة رؤية طويلة الأمد. المدينة واجهت شللًا إداريًا في عدة جوانب. لكن السؤال المهم هو: هل المسؤولية تقع فقط على عاتق القيادة المحلية؟
هنا تدخل الصورة المعقدة للسياسات العامة. فدولة إسرائيل – بمؤسساتها المختلفة – تخلّت عن الناصرة. بدلًا من رصد الميزانيات ومرافقة البلدية ودعمها اداريا، وتطويرها كمدينة مركزية ذات مكانة عالمية، وكمدينة سياحية عالمية، ومركز تجاري إقليمي، ومدينة جامعية أو نموذج للتطوير العربي-اليهودي المشترك، تُركت مدينة مكتظة، مهملة، ببنية تحتية متهالكة وأفق محدود. الخطط الاستراتيجية التي وُضعت في العقد الأخير بقيت في معظمها على الورق. الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فشلت في وضع رؤية حقيقية وتوفير الأدوات لتحقيقها. الوزارات المختلفة وقفت جانبا تشاهد انهيارها ولم تحرك ساكنا.
التمييز الفاضح يتضح جليا عندما ننظر الى ثورة التطوير في المدينة المجاورة نوف هجاليل، والتي بامكان سكان الناصرة مشاهدتها عبر نوافذ بيوتهم. وهذا ليس فقط بسبب الادارة الحكيمة لبلدية نوف هجليل، انما هو ثمرة الاستثمارات الطائلة من قبل الوزارات المختلفة.
تعيين لجنة معينة لادارة بلدية الناصرة، قد يكون حلًا مؤقتًا لضمان الاستمرارية الإدارية، لكنه أيضًا إشارة لفقدان ثقة الدولة بالمجتمع العربي وقدرته على إدارة شؤونه. هذا تحرك يحمل رسالة خطيرة: عندما تفشل مدينة عربية، تتدخل الدولة لتسلبها صلاحياتها. مثل هذا القرار لا بد أن يكون مصحوبًا بنقد ذاتي من قبل الدولة نفسها.
الناصرة لا تحتاج فقط إلى إدارة مهنية. إنها بحاجة إلى استثمار طويل الأمد، إلى رؤية واضحة، إلى شراكة حقيقية، وقبل كل شيء – إلى استعادة الثقة. الحل لا يكمن فقط في تغيير الأشخاص، بل في تغيير السياسات العميقة تجاه البلدات العربية عامة، والناصرة – كرمز – بشكل خاص.
حان الوقت لنسأل: ليس فقط كيف وصلنا إلى هنا، بل أيضًا – إلى أين نذهب من هنا؟
[email protected]
أضف تعليق