بقلم: رانية مرجية
في عالمٍ تتبدّل فيه المقاييس وتُباع فيه القيم على الأرصفة، تبقى غزة الميزان الحقيقي للكرامة الإنسانية، ومرآةً نرى فيها هشاشتنا، مهما حاولنا التظاهر بالقوة. في غزة لا تُقاس الكرامة بالألقاب، ولا الصمود بالشعارات، بل تُقاس بالدم، بالتراب، وبأسماءٍ تشبه المعجزات… كالدكتورة آلاء النجار.
آلاء التي فقدت كافة أبنائها تحت القصف الإسرائيلي الوحشي، لم تنهر، لم تترك ساحة المستشفى، لم تستقل من إنسانيتها. عادت لتُداوي أبناء غيرها وهي تنزف جرحًا لا يُمكن أن يُلملم، لأن ما فقدته لم يكن بيتًا، بل كان كل البيت. لم تكن تبكي أمام المرضى، بل كانت تمسح دموع الآخرين، كأنها رفضت أن تسمح للموت أن ينتصر ولو في لحظة صمت.
حين رأيت وجهها في الصور، شاحبًا ومتماسكًا، عرفت أننا نعيش على هامش الألم. أن وجعنا موسمي، وشكوانا ترف. أمام آلاء، تسقط كل ادعاءاتنا، وتنكشف هشاشتنا. هي لم تُكمل مناوبتها الطبية فقط، بل أكملت رسالة كبرى اسمها فلسطين. لم تكن طبيبة فقط، بل كانت أماً لكل جريح، ويدًا ترفض أن تتراجع حتى وهي تجر وراءها نعوش صغارها.
غزة، من خلال آلاء، لا تطلب تعاطفًا، بل صحوة. وعيًا يعيد ترتيبنا من الداخل، ويهز ضمائرنا التي اعتادت الصمت. آلاء النجار هي سطر نقي في كتاب من دم، تُذكّرنا أن البطولة لا تُصنع بالخطب، بل بالفعل، بالصبر، وبالوفاء لروح الإنسان.
يا كل من يشتكي من ثقل الأيام، تذكروا آلاء. تذكروا كيف نهضت من بين ركامها لتُسعف الآخرين، تذكروا أن هناك من فقد كل شيء، ولم يفقد قلبه. لا تصفقوا لها، بل اسألوا أنفسكم: من نحن أمامها؟ ما الذي نفعله لأجل وطن، لأجل حق، لأجل كرامة؟
في غزة، حين يصبح الألم مقياسًا للكرامة، تكون أمٌ فقدت أبناءها وتُداوي أبناء الآخرين، هي المعيار. تكون آلاء النجار، لا أيًّا منا، هي المعنى الكامل للإنسانية.
[email protected]
أضف تعليق