لماذا يبدأ طفل معافى ظاهريا بالمعاناة فجأة من نوبات خارجة عن السيطرة؟ كيف يمكن لمرض وراثي واحد أن يغير تماما مسار حياة طفل وعائلته؟ بمناسبة اليوم العالمي للصرع، سنتعمق في متلازمة درافيت - أحد أصعب وأعقد أشكال المرض، والتي تستدعي المواجهة اليومية والحلول الطبية المتطورة.
د. ياسمين زعبي، أخصائية أمراض الأعصاب والصرع لدى الأطفال، طبيبة كبيرة في مستشفى هعيمك، عيادة الصّرع ومستشفى شنايدر معهد EEG.
لاحظت "أفيجايل" حين كان عمر ابنها بضعة أسابيع، أنه بدأ يصاب بالحمّى. لم يقلقها ذلك أكثر من المعتاد. انه ابنها الثالث وهي تعرف أن الأطفال الرّضع يميلون إلى المرض بسهولة، لكن الأمر بدا مختلفا هذه المرة. كان مرض الحمى مصحوبا بنوبات متواصلة وخطيرة من الاختلاجات، والتي لم يكن بالإمكان إيقافها دون تدخل طبي. حتى حين بدأ يكبر، لاحظت أمه أنه يواجه صعوبة في القيام بأمور ينجح أبناء جيله بالقيام بها بسهولة. عشرات الفحوص، الزيارات لدى الأطباء، والمخاوف التي تركزت وفي لحظة واحدة تم إعطاء التشخيص فيها "متلازمة درافيت ".
متلازمة درافيت هي إحدى متلازمات الصّرع النادرة والأشدّ خطورة، وهي تعتبر اعتلالا دماغيا صرعيا تطوريا مصحوبا بصرع يظهر من خلال نوبات تشنج متواصلة من الصعب السيطرة عليها، ابتداءً من السنة الأولى من الحياة. تم وصفها أول مرة عام 1978 من قبل طبيبة الأعصاب الفرنسية شارلوت درافيت، ولقد تم تسمية المرض على اسمها. ينتج المرض، في كثير من الحالات، عن طفرة وراثية في الجين SCN1A، المسؤول عن قنوات الصوديوم في الدماغ، وبسبب خلل ما في هذا الجين، يتم إنتاج بروتين غير سليم، وهكذا يعمل هذا البروتين في الجسم بصورة غير صحيحة. نتيجة لذلك، ينشأ اضطراب في عمل الخلايا العصبية الكهربائي في الدماغ.
بالرغم من أن الحديث يدور عن مرض نادر، إلا أن انتشاره يعتبر واسعا بالمقارنة مع أمراض نادرة أخرى. لذلك، يعاني المرضى أيضا من مصاعب مقابل الدولة، التي تواجه صعوبة في التعامل مع التعريف الملائم للمرض. إنه مرض لا يقوم الكثير من الأطباء بالبحث عنه. لا تتأثر متلازمة درافيت بالفروق الجندرية، لكن تم تشخيص حالات مع ميول وراثية معينة لدى شرائح سكانية مختلفة.
الأعراض والتشخيص
بسبب كونها متلازمة نادرة، يعتبر الخلط بين متلازمة درافيت وبين الصّرع "العادي" أو غيرها من متلازمات الصرع شائعا جدا ويعتمد التمييز بينها، بالأساس، على مدى خطورة ومدّة النوبة. تنعكس متلازمة درافيت من خلال نوبات تشنجية متواصلة غالبا ما تظهر بعمر 8-6 أشهر، وتكون في أحيان متقاربة مصحوبة بارتفاع حرارة الجسم. بخلاف نوبات تشنجية الحمّى العادية، تكون هذه النوبات التشنجية طويلة للغاية ومن الصعب إيقافها، الأمر الذي يستوجب التدخل الطبي المستعجل. في كثير من الأحيان، تستمر النوبة لأكثر من 5 دقائق، الأمر الذي يزيد من مخاطر الإصابة والضرر العصبي، بل وحتى الموت. في الغالب، لا تتوقف النوبات قبل القيام بالتدخل الطبي، والتوجيه العام هو استدعاء المساعدة الطبية مع بدء النوبة.
يرتكز تشخيص المرض على عدد من المعايير، وبضمنها:
• سن ظهور النوبات التشنجية
• مدّة النوبات التشنجية وتكرارها
• التغييرات في التطور الإدراكي/ العقلي بعد عمر سنتين
• فحص EEG لتقييم النشاط الكهربائي في الدماغ
• فحوص وراثية للعثور على طفرة في SCN1A
إدارة المرض والحياة إلى جانب متلازمة درافيت
تضع الحياة إلى جانب متلازمة درافيت تحديات كثيرة سواء أمام الأطفال أو أمام عائلاتهم. يعاني غالبية الأطفال من بطء التطور الإدراكي/العقلي، وأحيانا من التخلف العقلي، إلى جانب صعوبات في السلوك وفي القدرات الحركية.. يحتاجون إلى التربية الخاصة، ولمرافقة من مساعدة في غالبية ساعات اليوم.
يركّز الكثير من الأهل حياتهم حول علاج الطفل المريض، الأمر الذي يؤثر على البيت كله ويتطلب تأقلم أفراد العائلة كلها مع الحياة الجديدة. تواجه الكثير من العائلات موضوع العلاجات المكثفة، الدخول المتكرر إلى المستشفى والصعوبات الاقتصادية بسبب الحاجة للعلاج المتواصل، وتجد العائلات نفسها، في كثير من الأحيان، تحارب البيروقراطية وتناضل من أجل الحقوق التي تستحقها هي والأطفال المرضى. الدعم العاطفي والمرافقة المهنية هما جزء حيوي من هذه المواجهة.
إمكانيات العلاج المتاحة
اليوم، ليس هنالك دواء يشفي المرض، لكن هناك أدوية مختلفة مضادة للصرع تساعد في السيطرة على النوبات التشنجية وعلاجات ما تزال قيد التطوير. كذلك، ثبت أن النظام الغذائي الكيتوني كان ناجعا في جزء من الحالات.
الأمل الكبير بالنسبة لمرضى متلازمة درافيت هو في العلاج الوراثي. حاليا، يتم إجراء تجارب سريرية تهدف إلى إصلاح الخلل الوراثي في SCN1A بهدف منع التعبير عن المرض من الأساس. تتمحور أبحاث أخرى حول ابتكار علاجات دوائية حديثة يمكنها تحسين جودة حياة المرضى.
لماذا من المهمّ رفع الوعي؟
يعتبر الوعي لمتلازمة درافيت هاما لأجل إتاحة إمكانية التشخيص المبكر، تحسين جودة حياة المرضى وتوفير الدعم للعائلات. التربية، التعاون مع منظمات المرضى والاستثمار في عيادات الصّرع متعددة المجالات هي خطوات ضرورية في الطريق إلى تحسين التجاوب الطبي.
يوم الوعي للصرع، هو الوقت المناسب لتذكّر وإسماع صوت الأطفال الذين يواجهون متلازمة درافيت وعائلاتهم - والعمل لأجل ضمان مستقبل أفضل لهم.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق