في السنوات الأخيرة، باتت السمنة واحدة من أخطر الأزمات الصحية التي تواجه إسرائيل، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات زيادة الوزن بين مختلف الفئات العمرية، ما يضع تحديات كبرى على النظام الصحي والاقتصاد.

الدكتورة أسنات رزيئيل، خبيرة الجراحة ومديرة المركز متعدد التخصصات لعلاج السمنة في "أسوتا – رمت هحيَل"، تستعرض هذه الظاهرة بقلق، مستندة إلى معطيات رسمية تؤكد أن نصف السكان البالغين في إسرائيل يعانون من الوزن الزائد أو السمنة، حيث تصل النسبة إلى 43% بين الرجال و55% بين النساء. الأخطر من ذلك، أن 12% من السكان يعانون من السمنة المفرطة، بينما يعاني 3.8% من السمنة المرضية، وهي حالات تستدعي تدخلاً طبيًا عاجلاً.

السمنة بين الأطفال والمراهقين تمثل تحديًا أكثر تعقيدًا، حيث أظهرت معطيات مجلس سلامة الطفل أن نسبة السمنة بين طلاب الصف الأول تبلغ 19.5%، بينما ترتفع إلى 31.4% بين طلاب الصف السابع. هذه الزيادة تعكس نمط حياة غير صحي، يتفاقم مع التقدم في العمر، حيث يؤثر الغذاء غير المتوازن وقلة النشاط البدني بشكل مباشر على صحة الأجيال الشابة. كما أن الفجوات بين الفئات المجتمعية واضحة، إذ تشير المعطيات إلى أن الأطفال العرب هم الأكثر عرضة للسمنة، بينما تسجل معدلات أقل لدى الأطفال في المجتمعين الحريدي والبدوي.

الشرائح السكانية الضعيفة 

توضح الدكتورة رزيئيل أن السمنة لا تتوزع بالتساوي بين جميع الشرائح السكانية، حيث أظهرت الدراسات أن الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض تعاني بشكل أكبر من السمنة، نظرًا لأن 58% من الأسر التي يقل دخل الفرد فيها عن 2000 شيكل شهريًا تعاني من الوزن الزائد أو السمنة، مقارنة بـ 49% فقط بين الأسر ذات الدخل المرتفع. كما أن الفجوات بين المجتمعات واضحة، إذ يبلغ معدل السمنة في المجتمع العربي 59%، بينما لا يتجاوز 46% في المجتمع اليهودي. وتشكل النساء العربيات الفئة الأكثر تأثرًا بالسمنة المفرطة، يليهن الرجال العرب، ثم الرجال اليهود، وأخيرًا النساء اليهوديات.

لكن السمنة ليست فقط أزمة صحية، بل عبء اقتصادي ثقيل على الدولة. فوفقًا لتقديرات منظمة OECD، فإن دول العالم تنفق نحو 8.4% من ميزانياتها الصحية على علاج الأمراض المرتبطة بالسمنة، بما يعادل أكثر من 300 مليار دولار سنويًا. في إسرائيل، يقدر حجم الإنفاق المرتبط بالسمنة بنحو 9.2% من إجمالي ميزانية الصحة، كما أنها تتسبب في خسارة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لانخفاض الإنتاجية وتزايد الإجازات المرضية.

تتحدث الدكتورة رزيئيل عن التأثيرات الاقتصادية المباشرة للسمنة، حيث تستهلك الفئات المصابة خدمات طبية أكثر بنسبة 70% مقارنة بمن يتمتعون بوزن صحي، مما يؤدي إلى ارتفاع نفقات التأمين الصحي وتزايد الضغوط على النظام الطبي. كما أن غياب الموظفين عن العمل بسبب المشكلات الصحية المرتبطة بالسمنة يؤدي إلى خسائر كبيرة في سوق العمل. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الاستثمار في الوقاية يمكن أن يكون أكثر جدوى اقتصاديًا، حيث تظهر أبحاث منظمة OECD أن كل دولار يُستثمر في الوقاية من السمنة يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية تتراوح بين 5.6 و30 دولارًا.

أما عن دور الحكومة في مواجهة الأزمة، فتوضح الدكتورة رزيئيل أن السياسات الحالية تتبنى نهجًا مزدوجًا، يشمل جانبًا وقائيًا وآخر علاجيًا. فعلى المستوى الوقائي، تم فرض ضريبة على المشروبات المحلاة بالسكر عام 2022، مما أدى إلى انخفاض استهلاكها بنسبة 10%، لكن هذه الضريبة تم إلغاؤها في 2023، ما أثار انتقادات من خبراء الصحة العامة الذين يرون أن تراجع الحكومة عن هذه الخطوة قد يعيد معدلات استهلاك السكر إلى مستوياتها المرتفعة.

العلاج 

أما على المستوى العلاجي، فقد باتت العمليات الجراحية لعلاج السمنة المفرطة أكثر شيوعًا، حيث أُجريت 8,197 عملية جراحية من هذا النوع في إسرائيل عام 2021، كانت 77% منها لنساء. هذه الجراحات تُجرى في المستشفيات الحكومية والخاصة، وتعتبر وسيلة فعالة للحد من مضاعفات السمنة، لكن تكلفتها المرتفعة تجعلها غير متاحة للجميع، مما يستدعي تعزيز البرامج الوقائية لتقليل الحاجة إليها مستقبلاً.

وفي ختام حديثها، تشدد الدكتورة رزيئيل على أهمية تبني استراتيجية شاملة لمعالجة السمنة، تتضمن تحسين التوعية الغذائية، تشجيع النشاط البدني، فرض ضرائب على المنتجات غير الصحية، وتوسيع نطاق العلاجات الطبية المجانية أو المدعومة. وترى أن مواجهة السمنة لا تقتصر على القرارات الحكومية فقط، بل تحتاج إلى تغيير في العادات المجتمعية، بحيث يصبح الغذاء الصحي والنشاط البدني جزءًا من الثقافة اليومية للأفراد، وليس مجرد خيار مؤقت.

ختامًا، تشير الدكتورة إلى أن السمنة ليست مجرد مشكلة فردية، بل تحدٍّ صحي واقتصادي يهدد مستقبل الأجيال القادمة، ما يتطلب تدخلًا عاجلًا وحلولًا مستدامة لضمان صحة المجتمع الإسرائيلي وتقليل العبء المالي المترتب عليها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]