إعداد: سُهاد بنا محاضرة في علم النفس التطوري

مع اقتراب يوم المرأة العالمي، نتذكر آلاف النساء اللواتي قضين على أيدي عائلاتهن، لا لشيء سوى أنهن أردن العيش بحرية وكرامة. واحدة من هذه القصص المؤلمة هي قصة أم عتاب السورية، التي تحولت إلى رمز لصوت النساء الصامتات، اللواتي يُقتلن باسم الشرف تحت وطأة عادات بالية.

لكن لماذا تستمر هذه الظاهرة حتى اليوم؟ لماذا يُنظر إلى المرأة، حتى في القرن الحادي والعشرين، على أنها تهديد لشرف العائلة؟ لفهم هذه المعضلة، لا يكفي تحليلها من منظور اجتماعي وقانوني فقط، بل يجب العودة إلى علم النفس التطوري، الذي يفسر كيف تشكلت هذه المعتقدات في اللاوعي الجمعي عبر آلاف السنين.

لماذا تقتل العائلة ابنتها؟ منظور علم النفس التطوري

يُعنى علم النفس التطوري بفهم كيف تطورت السلوكيات البشرية عبر الزمن استجابةً للضغوط البيئية، بما في ذلك العوامل المتعلقة بالبقاء والتكاثر. من هذا المنظور، يمكن تفسير جرائم الشرف والعنف ضد النساء كنتائج متطرفة لنظام اجتماعي قديم بُني على السيطرة الذكورية لحماية الموارد الجينية.

1. المرأة كـ "مورد بيولوجي" للعائلة

في المجتمعات القبلية القديمة، كان نجاح العائلة أو القبيلة يعتمد على استمرار نسلها، وخصوصًا نقاء سلالتها. كانت المرأة تُعتبر "موردًا بيولوجيًا" ثمينًا، حيث أن إنجابها لأبناء يحملون "دم العائلة" كان مرتبطًا مباشرة ببقاء العشيرة.

بسبب ذلك، نشأ سلوك تطوري قائم على السيطرة على النساء جنسياً، حيث طورت العائلات أنظمة صارمة لمراقبة المرأة، لمنع أي احتمال أن تنجب أطفالًا من خارج "العائلة" أو القبيلة. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الأنظمة إلى قواعد ثقافية راسخة، ما زلنا نراها اليوم فيما يسمى "شرف العائلة".

2. الخوف من التنافس الذكوري

علم النفس التطوري يوضح أن الرجال، على مدار التاريخ، كانوا أكثر عرضة للتنافس على الموارد، بما في ذلك النساء كشريكات للتكاثر. في المجتمعات الذكورية، أي تصرف من المرأة يُنظر إليه على أنه خروج عن السيطرة الذكورية يُعد تهديدًا للسلطة الاجتماعية.

عندما يقتل الأخ أو الأب ابنته أو أخته بحجة الشرف، فإنه، وفقًا لهذا التفسير، *يستجيب لآلية تطورية قديمة تهدف إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي الذي يمنحه السلطة*. حتى وإن كانت هذه الغريزة غير واعية، فهي مدعومة بعوامل اجتماعية حديثة مثل العار الاجتماعي والضغوط القبلية.

3. القتل كاستراتيجية للبقاء في المجتمعات الذكورية

التاريخ يُظهر أن الرجال في المجتمعات القديمة كانوا يستخدمون العنف كأداة للسيطرة، حيث كانت العقوبات القاسية تُستخدم كوسيلة "لردع" أي سلوك يهدد النظام القائم. قتل النساء تحت مسمى "الشرف" ما هو إلا استمرار لهذا النمط، حيث يُنظر إلى القتل كطريقة لاستعادة النظام العائلي وحماية "سمعة" الرجال في المجتمع.

حتى اليوم، في بعض المجتمعات العربية، لا يزال قتل المرأة يُعامل بتساهل قانوني، مما يعكس استمرار هذه العقلية التطورية التي تفضل "التضحية بالفرد من أجل الجماعة"، حتى لو كان هذا الفرد هو الابنة أو الأخت.

علم النفس التطوري لا يبرر.. لكنه يفسر

من المهم التأكيد أن علم النفس التطوري لا يبرر هذه الجرائم، بل يساعدنا على فهم جذورها العميقة. إن بقاء هذه العادات حتى اليوم لا يعني أنها صحيحة أو طبيعية، بل يُشير إلى أننا بحاجة إلى ثورة فكرية وثقافية لفك الارتباط بين التطور البيولوجي والتقاليد الاجتماعية الظالمة*.

لقد تغيرت المجتمعات، وتطورت القوانين، لكن بعض الأفكار البدائية لا تزال متجذرة في اللاوعي الجمعي، مما يجعل تغييرها صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً.

هل يوم المرأة العالمي يكفي؟

كل عام، نحتفل بإنجازات المرأة، لكن أم عتاب ونساء أخريات لن يستطعن الاحتفال، لأن مجتمعاتهن حكمت عليهن بالموت قبل أن يمنحهن حتى فرصة العيش.

في يوم المرأة العالمي، علينا أن نتوقف عن الاكتفاء بالشعارات، وأن نطرح الأسئلة الحقيقية:

- كيف نحمي النساء من القتل على أيدي عائلاتهن؟
- كيف نغير الأنظمة الاجتماعية التي تدعم هذه الجرائم؟
- كيف نستخدم علم النفس التطوري في إعادة تشكيل ثقافتنا بحيث تتناسب مع عصرنا الحديث؟

رسالة إلى كل "أم عتاب" لم تمت بعد

إلى كل امرأة تشعر أنها سجينة عادات تهدد حياتها، إلى كل فتاة تخشى أن تتحول إلى رقم جديد في قائمة ضحايا الشرف: أنتِ لست وحدكِ.

يوم المرأة العالمي يجب أن يكون صرخة حقيقية لإنهاء هذه الجرائم، لا مجرد احتفال رمزي. حتى يأتي اليوم الذي لا نحتاج فيه لرثاء امرأة أخرى مثل أم عتاب، بل نحتفل بحياة النساء، لا بموتهن.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]