بقلم معين أبوعبيد - شفاعمرو
في لحظة صمت يصمت فيها العقل، ليتحدث القلب، فيكشف سرَّ ومعنى الوجود وانعكاسات الحياة الصاخبة، حيث تتلاقى الرّوح مع الكون وكينونته في تناغم عميق، لنكشف أنّ في السّلام قوّة خارقة، عزيمة، واستقرارا. الواقعية والعقلانية توصلاننا إلى فهم أعمق لمعنى الوجود واللا وجود، إنه ليس غياب الصّراع فحسب، بل هو توازن داخلي يعيد ترتيب الكون في محيطنا، ليصبح كل شيء في مكانه ومقامه.

نعم، في الهدوء نعيم، وفي الصّمت والسكينة حياة. وما بين الاثنين الكثير من التفاصيل قد ندركها ولا ندركها.
جاءت هذه المقدمة، بعد أن قرأت كتاب "هجرة خارج الجسد" للشّاعر البيت - جني الغني عن التعريف، الزّميل نصر خطيب، الذي أهداني مولوده الجديد الخامس. وفي تصوّري أنّ وجهة نظري تتّفق وتتطابق، ولو جزئيًا، مع ما ضم الكتاب بين دفتيه.

الغوص بعمق في هجرة خارج الجسد قد يشفي الأرواح والنفوس، ويحطم الهدوء الحذر ويدخلك في انسجام داخلي، وفي دوامة ومعادلة دائرة الحياة المركبة والمعقدة كما هو الحال عند شاعرنا نصر الذي يعزف على أوتار القلوب بإقاعات من الاحاسيس التي تدخل القلب وتجعله يعيشها بنقلنا الى رحلة روحية عميقة المعاني والتامل والمذاق

كجذور الأرض الممتدة في عمقها توحي أفكارك بالتجدد والعطاء، ونثر قافيتك وحروفك بين عبق الرياحين. إنها تجربة أشبه بمعادلة مركبة، يتطلب حل رموزها الغوص مطوّلا وعميقًا،

تأخذك دون استئذان إلى عالم آخر للبحث عن الذّات.
حقيقة، بعد أن توقفت مطولا في محطة الباحث والمفكر فادي سيدو والقصائد بين دفتي الكتاب، تبقى الكلمات مهما كانت منمّقة، معبّرة، منتقية، راقية، تبقى منحنية كسنبلة القمح المثقلة لتصف مدى عمق دراسته وتقييمه لهذا الإنتاج والعمل الذي يستحق كل التقدير والثناء.

وما وراء السّطور في هذا الإنتاج الأدبي والثقافي المميز والراقي، إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أنّ مؤلفها شاعرٌ متمكنٌ يثير المشاعر ويدغدغها بفضل تعابيره اللغوية، خياله الواسع ورؤيته الثقافية والتربوية، قدراته ومهاراته، وبعمق معانيها ونغمة إيقاعها.

كم نحن بحاجة إلى أمثال شاعرنا ابن الجرمق، وتحديدًا في هذه الأوقات العصيبة والآخذة بالتردّي وتفاقم العنف بأشكاله، تصعيد الخطاب الطائفي وظاهرة الانحلال الأخلاقي والتّقليد الأعمى للغرب بسلبياته التي تحاصرنا على مدار السّاعة وتقتحم أسوار مدننا، مؤسّساتنا، وبيوتنا غير الآمنة، الأمر الذي يجعل فهم الذات واكتشاف الشخصية أمرًا لا مفرّ منه لمواجهة هذه المشاهد التي تكرر نفسها لعلها تسهم ولو قسطا بسيطًا في استخلاص العبر وتحدث نقلة نوعية وجذرية ملموسة على أرض الواقع.

كلّ التّقدير والثناء بعدد حبات المطر كحبات المطر في "شوق ترويه حبات المطر "، وألوان الزهر وشذى العطر على عطائك منقطع النظير.
"للأخ الصديق الكاتب المبدع معين أبوعبيد
على أمل أن تترجم إلى ذكرى طيبة "
لا شك أنها ستبقى ذكرى طيبة إلى أمد بعيد!




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]