تترقب العائلة الفلسطينية في مدينة طولكرم بفارغ الصبر خبر الإفراج عن ابنها الأسير حاتم جيوسي، الذي يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 22 عامًا. وسط هذا الانتظار، تظل صورة والدته، نادية الزعبي، حاضرة بقوة في قلوب أبنائها وأحفادها. توفيت نادية قبل أن يتحقق حلمها برؤية ابنها حراً، لكنها تركت أثراً عميقاً في حياة عائلتها التي تنتظر لحظة الفرج.

نادية الزعبي: الأم التي حلمت ولم ترَ الحلم يتحقق

في العاشر من يناير عام 2021، فارقت نادية الزعبي الحياة عن عمر ناهز السبعين، بعدما أمضت سنوات طويلة في انتظار حرية ابنها حاتم. كان حلمها الكبير أن تحتضنه مرة أخرى وأن تراه واقفًا أمامها، لكنه ظل حبيسًا خلف القضبان، وقضت حياتها تحمل وجع الفقد.

نادية كانت أمًا مخلصة لعائلتها، وقد كرست حياتها لتربية أبنائها محمد، بهاء، وحاتم، الذي واجه مصيرًا صعبًا منذ اعتقاله في 21 فبراير 2003. بالنسبة لحاتم، ظلّت والدته رمزًا للقوة والصبر. ومن خلف جدران السجن، كان يخطّ الرسائل إليها ويحلم باللحظة التي يزور فيها قبرها ليقرأ الفاتحة على روحها.

عائلة تنتظر الفرج

حاتم جيوسي، المولود في 29 فبراير 1971، أمضى 22 عامًا خلف القضبان. حُكم عليه بالسجن المؤبد ست مرات إضافة إلى 55 عامًا، وهي أحكام ثقيلة ألقت بظلالها على عائلته الصغيرة والكبيرة.

شقيقيه محمد (48 عامًا) وبهاء (46 عامًا) يحملان عبء الانتظار والمواجهة اليومية مع فراغ الأخ الأكبر. ومعهما ثمانية من الأحفاد الذين لم يعرفوا عمهم إلا من خلال الصور والقصص التي يرويها والدهم وأقاربهم.

تقول العائلة إن الحلم اليوم يتجاوز مجرد الإفراج عن حاتم؛ فهناك مخاوف من التعرض له مجددًا أو إعادة اعتقاله بعد إطلاق سراحه، أو حتى نفيه إلى خارج البلاد كما حدث مع بعض الأسرى في صفقات سابقة.

الانتظار المرهق والترقب الحذر

قبل أيام قليلة، بدأت إسرائيل بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى التي تشمل الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين مقابل محتجزين لدى المقاومة. أفرجت السلطات الإسرائيلية عن دفعتين من الأسرى، وسط مشاهد مؤثرة لأهالي يحتضنون أبناءهم بعد سنوات من الغياب.

لكن عائلة جيوسي لم تتلق أي اتصال يؤكد أن حاتم سيكون ضمن الدفعة القادمة. يقول شقيقه بهاء: "نعيش حالة من الانتظار القلق. حتى الآن لم نعرف أي ترتيبات بشأن الإفراج عن حاتم. نخشى على حاتم من أن يتم استهدافه أو إعادة اعتقاله، لكننا نأمل أن يعود إلى بيته وأحضان عائلته بسلام، في حال اطلق سراحه سنتهم أنّ يبقى في رام الله حتى نهاية الإجتياح".

حاتم: سنوات من النضال والتعلم داخل السجن

رغم قسوة سنوات السجن، لم يستسلم حاتم للظروف الصعبة. استغل فترة اعتقاله لإكمال تعليمه، فحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كما يحمل شهادة فني أسنان من روسيا، والتي حصل عليها قبل اعتقاله.

قبل اعتقاله، عاش حاتم حياة المطاردة لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يتم اعتقاله في مخيم نور شمس قرب طولكرم عام 2003. خلال هذه السنوات، كانت والدته نادية ترافقه بأحلامها ودعواتها، وتعمل على دعمه بكل الوسائل الممكنة، حتى مع انقطاع الأخبار عنه.

العودة إلى البيت أم إلى المجهول؟

تشعر العائلة بالقلق من إمكانية إبعاد حاتم عن وطنه كجزء من الترتيبات السياسية أو الأمنية التي قد تفرضها السلطات الإسرائيلية. يقول شقيقه بهاء: "الإبعاد قد يكون أكثر أمانًا لحاتم، لكنه ليس خيارًا نتمناه وليس مطروحًا. حلمنا أن يعود إلى منزله وأن يزور قبر والدتنا، التي طالما انتظرت هذا اليوم لكنها لم تشهده".

حاتم نفسه، وفق ما تنقل العائلة، يحلم فقط بأن يعود إلى مدينته، وأن يحقق أمنيته الغالية بزيارة قبر والدته، التي كانت له مصدر دعم وإلهام طوال سنوات اعتقاله.

الأمل الذي لا ينطفئ

رغم الألم والانتظار الطويل، تظل عائلة جيوسي متمسكة بالأمل. ترى الأحفاد ينظرون إلى صور عمهم بشغف وترقب، يحلمون بلحظة لقائه، ويرددون قصص جدتهم نادية التي كانت تتحدث عن شجاعة ابنها وصموده.

إن الإفراج عن حاتم جيوسي، إذا تحقق، لن يكون مجرد لحظة فرح للعائلة، بل هو رمز لانتصار الأمل على المعاناة، وصورة أخرى للصمود الفلسطيني في وجه كل التحديات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]