رافع يحيى
نفتتح مقالنا هذا بالتّساؤل المُر، هل لدى الأكاديمي موقف؟ للأسف هناك ظاهر آخذة بالإتساع، وتتمثل بابتعاد الأكاديمي، بغض النظر عن موقعه، عن قضايا مجتمعه وتراه أحيانًا يتنازل عن عزّة النفس، دون أن يرفّ له جفن، فيمسي دون موقف ولا يحزنون. ويُطرح السؤال هنا، لماذا يتقرّب إلى المسؤول بكلّ ما أوتي من قوّة ويعمل على أولاد الحارة تشي جيفارا!!

التّنظير شيء والسلوك اليومي شيء آخر للأسف. ظاهرة سلوكية مقيتة، متفشية في حياتنا. ظاهرة خطيرة لها أثرها السلبي في حياتنا، إذ تنتصر التبعية على المهنية. هناك من يتقن فنّ هذه اللّعبة، بينما هناك من يرفضها جملة وتفصيلا، ولو كلّفه هذا الرفض الكثير. فهناك حدود حتّى للاحترام، والتمسّد بثياب المسؤول لا علاقة له بالاحترام.

الاحترام واجب شريطة ألّا يتجاوز حدّه. وماذا ينفع الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه! فلا تخش سلوك طربق الحق لقلة سالكيه. وللجبن والخوف حدود. ورأس الحكمة مخافة الله. هو رب الكون، هو من يوزّع الأرزاق، "رزقكم في السماء'وما توعدون". هو المعز وهو المذل، فلا معز ولا مذل غيره، وإن قال للشيء كن فيكون.

الله هو البوصلة الحق. لا تثق بقوة غير قوة الله والأمثلة عبر التاريخ كثيرة. لذلك فإنّ صناعة الأصنام في مجتمعاتنا متفشية ولا احترام للرأي الآخر. نحن مصابون بداء تقزيم النّاجحين، والنميمة والكراهية. ولا أظن أنّ مجتمعنا قد نجا من مرض اجتماعي حتى الآن. واقع مؤلم على الأكاديميين المساهمة في تصحيحه، ولكن هيهات!!

على الأكاديمي أن يكون قيمة وقامة، نور وبوصلة، دليل وطريق. تواضعه يقرّبه من أهله، لا برجه العاجي. وعليه أن يتحمّل التافهين الّذين يعلّقون بالسّلب على كل كلمة يكتبها أو يقولها. ومن يصغي لكلام الناس تدركه التهلكة، لذا عليه ألّا يلتفت للصّغار الذين يكرهون أنفسهم أولًا وهم كثر في مجتمعنا. وأمّا الغيرة فهي ما يحرقهم ويربكهم.

قد يبتعد الأكاديمي لفترة وهذا حقّه، لكن نبضه يعيش نبض الشارع وقلبه يتألّم على كلّ مصيبة تصيب هذا الشارع. ولو حاولت جاهدًا فإنّك لن تستطيع فصله عن الشّارع، فقد ولد هناك، تنفّس هناك، وتألّم هناك. الشارع ماض وحاضر ومستقبل. وبالمدّة الأخيرة نجد بأنّ الأكاديمي والشارع صارا مسبّة أو شتيمة، بل ويتفاجأ الناس من كنه العلاقة بينه وبين الشارع! إنّ هذه النظرة دليل على غياب الوعي والبعد الجمعي لدى الكثيرين، واستفحال التنظير على حساب الممارسة، وشتان ما بينهما.

في النّهاية نحن نريد الأكاديمي المسلّح بالثقة والشجاعة والعزم والإرادة، لا الأكاديمي الّذي ينغمس فقط في إرضاء المسؤول. نحترم الأكاديمي الّذي يشتبك مع قضايا مجتمعه وشعبه، المتواضع الّذي يشارك مجتمعه في السّراء والضرّاء. "وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

إذا لم يلتحم الأكاديميون مع مجتمعهم فسيظلّ المجتمع على حاله، بل أنّ الوضع سيمضي في ضياعه. وضعنا صعب ومجتمعنا ينادي عليكم وأنتم حماته. كونوا قيمة وقامة وساندوا المجتمعات الّتي نشأتم فيها. فإذا وقع السقف وقع على الجميع، وأراه قد بدأ يتصدّع!
اللّهمّ إنّي بلّغت فاشهد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]