استذكر الأستاذ جعفر فرح عبر منشور على صفحة الفيس بوك، الأيام التي كان يعلم خلالها الاطفال في مخيم جنين، خلال دراستهم الجامعية، وكان من بين الأطفال الأسير زكريا الزبيدي. وكتب عبر صفحته:
كنا طلاب جامعة حيفا نطلع كل أسبوع نعلم أطفال مخيم جنين بالشوارع وبين البيوت (1988). العلم الفلسطيني كان ممنوع.
زكريا كان عمره ١١ سنة. وصل مع رفاقه يتعلم بين البيوت. مدرسة "الاونروا" سكرها الاحتلال.. خلصنا أوراق عمل. زكريا ورفاقه ركضوا يجيبوا العلم ويتلثموا ويعملولنا استعراض. جيبات الجيش، اللي كان معسكره بقلب المخيم، بلشت تتحرك. الغاز المسيل للدموع انتشر بكل المنطقة. خلص درس العربي والحساب وانطلق درس التحرر.
سنوات الانتفاضة الأولى كلها كنا نروح على المخيم نعلم الأولاد، المدارس سكرها الاحتلال. أرنا مر خميس، كانت تحضر أوراق العمل ونطلع بتكسيات جنين من ساحة الحناطير ونلتقي ببيت ام زكريا.
زكريا الطفل اعتقل بتهمة "ضرب حجارة". حكموه وسجنوه.
بعد اتفاق أوسلو حصلت ام زكريا مع ام سبارتاكوس على جائزة سلام دولية. أرنا كانت مريضة بالسرطان. رحت اعمل معهن مقابلة بمخيم جنين. وقفنا على سطح البيت اللي بنته ام زكريا بعد ما هدمه الاحتلال للمرة الثالثة. التفاؤل كان سيد الموقف. ضحكة مناضلات على الوجوه.
زكريا كان نايم. جاي يشوف امه من معسكر الشرطة الفلسطينية باريحا. هرب من المعسكر عشان يشوف أمه. على المعسكر ابعدوه كشرط لاطلاق سراحه كجزء من اتفاق أوسلو. "دير بالك يما" كانت كلماتها وهو بطريقه راجع على اريحا.
بعد اجتياح 2002 وتدمير المخيم بعثنا طاقم تصوير يوثق اللي صار بالمخيم. جوليانو مر (ابن ارنا وصليبا خميس) كان معهم وبطريقهم راجعين بين شجر الزيتون الجيش أطلق النار عليهم. كانوا بين الحياة والموت. لما وصلت بين الزيتون لقيتهم مع الكاميرات والفيديوهات النادرة توثق ما اقترفه الجيش بالمخيم. هذا التوثيق أصبح جزء من فيلم "اولاد ارنا".
لما فتت على المخيم لقيت عشرات البيوت مهدومه. زكريا حمل السلاح. ام زكريا استشهدت. البيت اللي كنا نتجمع فبه ونعلم الاولاد والبنات (بيت ام زكريا) مهدوم كمان مرة.
زكريا الطفل اللي كنت أعلمه بالمخيم تغير. شاف الموت عشرات المرات. زكريا اللي سجنوه عشان ضرب حجر حمل الرشاش.
اليوم شفت اسمه على قائمة الأسرى اللي راح يتحرروا.
ما بعرف وين راح يروح زكريا. بعرف انه كان يعشق حيفا ومخيم جنين ويكره السجن.
اللي بنشره اليوم جزء من قصة طفل وام وشعب.
طفل كات يحب ييجي مع امه واولاد المخيم على حيفا.
طفل كان يحب صديقه جوليانو النص يهودي. ما كان يكره اليهود كان يكره الاحتلال.
كان يحب المسرح. ويحلم يسبح بالبحر.
كان يحلم بالحرية على مسارح الحياة اللي عاش فيها.
طفل صار رجل.
انسان دفع ثمن غالي.
هاي قصة كل طفل وطفلة من جنين لغزة. قصص لازم نحكيها بمواجهة تجريدنا من انسانيتنا اللي تمارس بمنهجية.
احنا ناس واولادنا وبناتنا بحبوا الفرح والحياة.
مثل كل اولاد وبنات البشرية.
[email protected]
أضف تعليق