تستعد شركتا "فولكس واجن" و"ستيلانتيس" (Stellantis) لمواجهة تحديات جديدة بعد عام 2024 المضطرب الذي شهد تغييرات هيكلية كبرى أعادت تشكيل صناعة السيارات الأوروبية. ولا تبدو الأشهر الـ12 المقبلة أقل صعوبة.
يحذر المحللون من مخاطر جديدة تهدد القطاع، لا سيما مع التداعيات المحتملة لاندلاع حرب تجارية شاملة مع الولايات المتحدة إثر عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض الشهر المقبل. وإذا تأثرت الصادرات إلى السوق الأميركية المهمة، فإن هذا من شأنه زيادة الضغوط المالية الهائلة على الشركات، التي تحاول بالفعل خفض التكاليف لمنع تراجع الأرباح بشكل أكبر.
يعتزم عمال "فولكس واجن" في جميع أنحاء ألمانيا تنظيم إضرابات بدءاً من غداً، بعد أن فشل قادة العمال والإدارة في التوصل إلى اتفاق
شهر ديسمبر يقدم بالفعل لمحة عن الأزمات القادمة. إذ أقالت "ستيلانتيس" مديرها التنفيذي كارلوس تافاريس، بينما خرج حوالي 100 ألف عامل لدى "فولكس واجن" من مصانعها احتجاجاً على خطط تخفيضات غير مسبوقة تهدف إلى تحسين تنافسية الشركة. ومع اقتراب الجولة الرابعة من المفاوضات والإضرابات المقررة في 9 ديسمبر، لا تلوح في الأفق أي بوادر على اتفاق بين إدارة "فولكس واجن" وقادة النقابات.
القطاع الأسوأ أداءً في أوروبا
في مذكرة للعملاء، صرح محللو "يو بي إس غروب" بقيادة باتريك هامل بأن "الصناعة تواجه عاصفة كاملة". وأضافوا أن "ضغوط التسعير، وخسائر الحصة السوقية في الصين، وتشديد اللوائح التنظيمية المتعلقة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومخاطر رفع الرسوم الجمركية، واستمرار الطلب الضعيف سيؤدي إلى تراجع أرباح القطاع بشكل أكثر، رغم الجهود المكثفة لإعادة الهيكلة".
سجلت شركات السيارات الكهربائية الصينية تراجعاً في حصتها من سوق السيارات الأوروبية للشهر الثالث على التوالي، مما يعكس تأثير الرسوم الجمركية الجديدة على مبيعاتها.
تُعد صناعة السيارات، التي توظف عدداً كبيراً من القوى العاملة في أوروبا، القطاع الأسوأ أداءً حتى الآن هذا العام. ورغم انخفاض تقييمات الشركات بنحو 30% عن المتوسطات التاريخية، فإن المستثمرين لا يزالون حذرين نظراً لأن توقيت انتعاش السوق الأوسع نطاقاً والمستدام غير مؤكد. ووفقاً لتقرير "يو بي إس": "طالما أن نهاية دورة خفض التقييمات ليست واضحة، فإن أي ارتفاع محتمل من المستويات المنخفضة الحالية سيكون قصير الأجل على الأرجح".
أكد معهد "إيفو" (Ifo Institute)، وهو أحد أبرز مراكز الأبحاث الاقتصادية في ألمانيا، النظرة التشاؤمية ذاتها التي تبناها "يو بي إس"، قائلاً في تقرير حديث إن المعنويات في قطاع السيارات في البلاد "تتدهور بسرعة".
صناعة السيارات اعتمدت لفترة طويلة على تراكم الطلبيات منذ جائحة كوفيد-19 واختناقات الإمدادات التي تركت الشركات المصنعة دون ما يكفي من أشباه الموصلات لتلبية الطلب. لكن مع تلاشي هذه الطلبيات وتباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية، بجانب تراجع النمو في الصين، أصبحت الطلبيات الجديدة محدودة. هذا الوضع ترك شركات صناعة السيارات أمام فائض في الطاقة الإنتاجية، وفق أنيتا وولفل، خبيرة السيارات في معهد "إيفو".
تخفيضات الوظائف
في ظل هذه التحديات، لجأت العديد من الشركات إلى خفض العمالة. تخطط "فورد موتور" لخفض نحو 14% من قوتها العاملة في أوروبا، خاصة في ألمانيا والمملكة المتحدة، بحلول نهاية 2027. كما تسعى شركتا صناعة السيارات الفاخرة في ألمانيا "مرسيدس-بنز غروب" و"بورشه" لتقليل التكاليف التشغيلية.
سيارات 'فورد' المصنعة حديثاً جاهزة للشحن في مركز توزيع 'فورد' بمصنع شركة 'فورد موتور' في كولونيا، ألمانيا، يوم الخميس 21 نوفمبر 2024 - بلومبرغ
يمتد الركود إلى سلسلة التوريد، إذ أعلنت شركات "روبرت بوش" (Robert Bosch) و"كونتيننتال" (Continental) و"زيد إف فريدريكسهافن" (ZF Friedrichshafen) مجتمعة عن شطب حوالي 20 ألف وظيفة في ألمانيا، حيث يشكل مصنعو قطع غيار السيارات جزءاً أساسياً من الاقتصاد. كما تخطط شركة "شايفلر" (Schaeffler) لإغلاق موقعين لتوفير التكاليف، مع شطب أو نقل آلاف الوظائف الأخرى.
مخاطر ركود أكبر اقتصاد في أوروبا
تسلط خسائر الوظائف الضوء على الصورة القاتمة لأكبر اقتصاد في أوروبا، الذي يعاني من ركود مستمر هذا العام بفعل تراجع قطاع التصنيع. وعلى الرغم من انخفاض طلبيات المصانع مجدداً في أكتوبر بوتيرة أقل من توقعات الاقتصاديين، فإن الركود الصناعي المستمر لعدة أعوام ربما بدأ في التحسن بشكل طفيف. ومع ذلك، لا تزال الأدلة الملموسة على تعافٍ اقتصادي مستدام وملحوظ، خصوصاً في قطاع السيارات، شبه معدومة.
هبط الإنتاج الصناعي في ألمانيا خلال أكتوبر، ليبدأ الربع الأخير من العام الجاري بانخفاض غير متوقع ويقوض الآمال في تعافي القطاع الرئيسي لدى أكبر اقتصاد بأوروبا
من المتوقع أن تتضح النظرة القاتمة لشركات صناعة السيارات مجدداً يوم الإثنين، عندما تستأنف "فولكس واجن" مفاوضاتها مع نقابة العمال القوية "آي جي ميتال" (IG Metall) بشأن التخفيضات المتعلقة بعلامتها التجارية الرئيسية. وصرحت الإدارة بأنها بحاجة إلى إغلاق مصانع في ألمانيا لمعالجة انخفاض الطلب على السيارات الكهربائية، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وتزايد المنافسة. وفي المقابل، رفضت الإدارة الأسبوع الماضي اقتراحاً مضاداً من النقابة تضمن حزمة تخفيضات إضافية بقيمة 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار)، تشمل خفض توزيعات الأرباح والمكافآت، وإنشاء صندوق لتغطية تكاليف تسريح العمالة وتقليل ساعات العمل.
ومع استمرار الخلاف بين الطرفين، من المتوقع تصاعد الإضرابات والاحتجاجات في الأسابيع القادمة مع اقتراب موسم عيد الميلاد. وصرحت دانييلا كافالو، الممثلة العليا للعمال في "فولكس واجن"، أن الاجتماع الذي سيُعقد يوم الإثنين "سيكون حاسماً لتحديد المسار المستقبلي: إما التوصل إلى اتفاق أو تصعيد الأزمة".
[email protected]
أضف تعليق