كانَ المُجاهد الدكتور خليل الحية القائم بأعمال رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة، ورئيس مكتب العلاقات العربيّة والإسلاميّة فيها، مُحِقًّا في الإعراب عن خيبةِ أمله في الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، اللّتين خذلتا الشعب الفِلسطيني ومُقاومته، وعدم قيامهما، وهُما اللّتان تملكان قُدرات هائلة بوقف حرب الإبادة التي تُمارسها دولة الاحتلال في القطاع والضفّة ولبنان وذلك في حديثٍ أدلى به أمس الأوّل لقناة الأقصى النّاطقة باسم الحركة.
الدكتور الحية كانَ في قمّة “التّهذيب” وهو يتحدّث بمرارةٍ عن هذا الخُذلان غير المسبوق، في وقتٍ يتغوّل فيه العدو، وعلى مدى أكثر من 13 شهرًا في قتل وإصابة أكثر من 200 ألف من بينهم 27 ألف شهيد من الأطفال فقط، واستخدام جريمة التّجويع كسلاحٍ للقضاء على مِليونيّ إنسان، وتحويل القطاع إلى مِنطقةٍ غيرُ قابلةٍ للعيش.
***
نقول للدكتور الحية وكُل قادة ومُقاتلي حركة “حماس” إنّ هذا الصّمود الأسطوري لأبناء القطاع والضفّة بالإضافة إلى لبنان في مُواجهة هذا العدو المُتعطّش للقتلِ وسفكِ الدّماء، بدأ يُعطي ثماره نصرًا كبيرًا على الصُّعُدِ كافّة، وإنّ دماء الشّهداء، وضخامة المُعاناة، وتعاظُم الخسائر البشريّة والماديّة لم تذهب هدرًا، وإنّ الشّعبين الفِلسطيني واللبناني قد اجتازا هذا الاختِبار والتّكليف الربّاني باقتدارٍ بُطوليٍّ سيُسَجَّل بأحرفٍ من نورٍ في صفحاتِ التّاريخ.
عندما يتصدّى رجال المُقاومة الشّجعان للقوّات الإسرائيليّة الغازية وحرب الإبادة والتّدمير التي تخوضها ضدّ العُزّل الجوعى والمُجاهدين في مُخيميّ جباليا وبيت لاهيا في شمال القطاع، ويقتلون 30 ضابطًا وجُنديًّا من المسافةِ صفر في غُضون بضعة أيّام بأسلحةٍ بسيطةٍ وبُطونٍ خاويةٍ صائمة، فإذا لم تكن هذه بُطولة أسطوريّة فما هي البُطولة إذًا؟
هاتان الأُمّتان، عندما تخذلان هذا الشّعب الشّجاع الذي لا يتردّد لحظةً في الدّفاع عن كرامتهما، ومُقدّساتهما، ومِليارين من أبنائهما، ويُقدّم الأرواح والدّماء، فهُما الخاسِرتان وسيحتلّ قادتهما مكانة مُتقدّمة جدًّا في قائمة “أبو رغال” التاريخيّة الشّهيرة الحافلة بأسماء الخوَنة لعقيدتهم وأبناء جِلدتهم.
لا نعرف ما هو شُعور هؤلاء القادة الذين أنفقوا ترليونات الدّولارات على شراء الطّائرات والصّواريخ والأسلحة لتسليح جُيوشهم التي لم تخض أيّ معركة إلّا وخسرتها، عندما يُشاهدون قُضاة في محكمة الجنايات الدوليّة، يتزعّمهم قاضٍ مُسلم اسمه كريم خان لا يحمل جنسيّة أي من بُلدانهم يُصدرون حُكمًا يُجرّمون فيه دولة الاحتلال، بارتكاب جرائم حرب وإبادة ضدّ الإنسانيّة، وتستخدم سلاح التّجويع ومنع المُساعدات الغذائيّة والطبيّة، ويُدمّرون المُستشفيات، ويقتلون الأطبّاء وطواقم الإسعاف، ويُصدرون قرارًا مُلزمًا بتسليم هذا النّازي بنيامين نتنياهو وتابعه ووزير حربه المُقال يوآف غالانت للمُثول أمام العدالة الدوليّة، بينما قادة الدّول العربيّة والإسلاميّة يُديرون وجههم إلى النّاحيةِ الأُخرى، والأخطر من ذلك إقامة البعض منهم علاقات تطبيع حميميّة، ويفرشون السجّاد الأحمر لهؤلاء القتَلة، وإقامة الجُسور البريّة، وحشد آلاف الشّاحنات لتزويد مُجرمي الحرب بالمواد الغذائيّة، وكُلّ أنواع البضائع التي يحتاجونها والذّخائر والأسلحة الحديثة وفي وضحِ النّهار ولا يُقدّمون زجاجة ماء أو علبة دواء واحدة لأبناء جِلدَتهم وعقيدتهم في القطاع.
هؤلاء القضاة واجهوا بصُمودٍ وازدِراء كُلّ التّهديدات بالانتقام، والاتّهامات الشخصيّة المُزوّرة، وأبرزها الاغتصاب والتحرّش الجنسي، ووقفوا مع الحق، وما تُمليه عليهم ضمائرهم بحتميّة الوقوف في خندق الضٍحايا انتصارًا لهم في مُواجهة هذا الوحش الفاجر عديم الإنسانيّة.
كُلّ الفضل يعود أوّلًا وأخيرًا إلى فصائل المُقاومة وشُهدائها في قطاع غزة وجنوب لبنان واليمن، الذين فضحوا العدو وكُلّ الدّاعمين له، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكيّة الشّريك الأساسي في حرب الإبادة والجرائم ضدّ الإنسانيّة، وأظهروا وجوههم الحقيقيّة بعد تمزيق كُل أقنعة الكذب والتّزوير التي ارتدوها على مدى 76 عامًا من الاحتلال والجرائم والكذب والتّضليل.
نقولها بكُلّ ثقةٍ وفخر، إنّهم المهزومون الذين باتوا يعيشون في الملاجئ، وينامون ويصحون على نعيقِ صفّارات الإنذار، والقاسم المُشترك بينهم جميعًا، حُكّامًا وجِنرالات، ومُستوطنين، هذا الرّعب والقلق، والهلع، ولا ننْسَ أنّ مِئات الآلاف منهم تحوّلوا إلى نازحين، ويشربون من نفسِ الكأس التي فرَضوها على الفِلسطينيين أبناء البلاد الأصليين.
***
ختامًا نقول للدكتور الحية، خليفة توأمه المُجاهد يحيى السنوار عظيم الشّهداء الذي قاتل حتّى اللّحظة الأخيرة في حياته في ميدان المُواجهة والشّرف ليدخُل تاريخ الصّالحين المُؤمنين من أوسع أبوابه، نقول للدكتور الحية لا تُعير هؤلاء المُتخاذلين أيّ اهتمام، ولا تُعوّل عليهم، وهُم الذين جبنوا عن استضافتكم في عواصمهم رُضوخًا لأوامر المُعلّم الأمريكي، وأنتم من أطهر المُقاومين دفاعًا عن هذه الأُمّة وعقيدتها وكرامتها ومُقدّساتها.
الصّحابة في زمنِ فَجر الرّسالة المُحمّديّة الإسلاميّة الطّاهرة النقيّة هاجروا إلى الحبشة وملكها العادل الشّجاع، بتوصيةٍ من الرّسول صلّى الله عليه وسلم، ونأمل منكم أن تسيروا على النّهج نفسه وتشدّوا الرّحال إلى أرضِ اليمن الطّاهرة المُقاومة حيثُ القادة والمُقاتلين الشّرفاء أصحاب البأس الشّديد، الذين أذلّوا، وأدّبوا، حاملات الطّائرات والمُدمّرات الأمريكيّة وطردوها من بِحارنا ومضايقنا، وأفلسوا مدينة إيلات، وقصفوا العاصمة تلّ الربيع بالصّواريخ الباليستيّة والفرط صوتيّة، وبمُسيّراتهم المُباركة، ولم يتضامنوا مع أهلنا في غزة بالشّعارات فقط.
أهلنا في اليمن ربّما هُم الوحيدون الذين يستحقّون شرف احتضانكم، ولا تَهِنوا ولا تَحزَنوا فأنتم الأعلون.
[email protected]
أضف تعليق