خلال هذا العام، اصدرت المحاكم، العليا والمركزية، قرارات هامّان أفادا أن مذكرة تفاهم تم توقيعها خلال مفاوضات لصفقة عقارية قد تعتبر في ظروف معينة اتفاقًا ملزمًا حتى لو لم تكن هذه مشيئة الفريق المعنيّ!
في سابقة عجمي (الاستئناف المدني رقم 1456-22، القرار الصادر بتاريخ 28.2.2024)، تناولت المحكمة العليا صحة وثيقة اتفاق أولية تم توقيعها خلال عملية وساطة جرت لفضّ نزاع عقاري بين الأطراف. تضمنت الوثيقة تفاهمات مبدئية بين المستأنف الذي ادعى ملكية أرض تقع في نفوذ بلدة “نافيه شالوم”، وبين ممثلي الجمعية التعاونية المسؤولة عن البلدة. تم الاتفاق مبدئيا بموجب الوثيقة على تخصيص قسائم أرض للمستأنف في المنطقة المخططة لتوسيع البلدة مستقبلا.
جاء في تلك في الوثيقة أن “هذا الاتفاق مبدئي ولا يشكل الاتفاق النهائي بكامل تفاصيله”، وأنه سيتم إعداد اتفاق شامل من قبل محامي الأطراف وتوقيعه خلال ثلاثة أشهر. ولكن الجمعية التعاونية لم تصدّق لاحقا هذه التفاهمات وادعت بطلانها. على الرغم من ذلك، قررت المحكمة العليا أن الوثيقة المذكورة تشكل اتفاقًا ملزمًا، حتى وإن كانت جزءًا من عملية وساطة وحتى وان كانت غير نهائية ولم تتضمن جميع التفاصيل اللازمة للصفقة العقارية. أكدت المحكمة أن تقدير صحة ومكانة مذكرة التفاهم أو الوثيقة الأولية الموقعة بين الأطراف خلال المفاوضات يعتمد على معيار جوهري وليس على شكل الورقة فحسب. وفقًا لذلك، قضت المحكمة بأن عنوان الوثيقة لا يحدد وحده جوهرها ومكانتها القانونية، بل يجب فحص ما إذا كانت الوثيقة والظروف الخاصة بها تُثبت وجود نية جادة والتزام واضح من الأطراف لابرام الصفقة العقارية بينهم. وأكدت المحكمة أن الوثيقة في قضية القضية المذكورة تجسّد نية جادة من قبل الأطراف ووضوحا كافيا لشروط الصفقة العقارية، وأن التفاصيل الناقصة يمكن استكمالها لاحقًا، وعليه فان الوثيقة المؤقتة في تلك الحالة تعتبر اتفاقا ملزما.
مؤخرا، تناولت المحكمة المركزية في تل أبيب (القاضي جلعاد هيس) في قضية سيني (ملف رقم 21-08-39504 القرار الصادر بتاريخ 26.9.2024) مسألة صحة مذكرة تفاهم تم توقيعها خلال مفاوضات صفقة بيع وشراكة عقارية. في هذه الحالة، وُقعت بين الطرفين، مالك الارض وشركة البناء المتعهدة، وثيقة أولية تحت عنوان “مذكرة تفاهم" لابرام صفقة مشروع بناء مشترك، مع الإشارة فيها إلى أنها لا تشمل جميع التفاهمات بين الأطراف وشروط الصفقة.
ووفق مذكرة التفاهم، دُفعَ للمالك دفعة أولى وسُجلت إشارة تحذير في سجل الأراضي (الطابو) وفيما بعد تبادل الطرفان عدة مسودات للاتفاق النهائي، ولكن في مرحلة معينة أعلن المالك عن إنهاء المفاوضات وإلغاء مذكرة التفاهم. رفضت المحكمة دعوى مالك الارض التي طالبت بإبطال مذكرة التفاهم، وقبلت الدعوى المضادة من الشركة المتعهدة التي طالبت باعتبار مذكرة التفاهم اتفاقا ملزما جديرا بالتنفيذ.
المحكمة المركزية شددت هي أيضًا على أن عنوان الوثيقة “مذكرة تفاهم”، أو كونها وثيقة أولية، أو وجود بند فيها يشير إلى أن “الاتفاق النهائي سيُوقع في المستقبل”، لا يكفي وحده للاستنتاج والحسم بأن الوثيقة ليست ملزمة، بل من الضروري فحص ما إذا كانت الوثيقة تُظهر نية جادة والتزامًا واضحًا من الأطراف لابرام الصفقة العقارية. وخلصت المحكمة إلى أن محتوى مذكرة التفاهم في الحالة المنظورة أمامها، ودفع الدفعة المقدمة بموجبها، وتسجيل اشارة التحذير في الطابو بموجبها، واستمرار المفاوضات بين الأطراف لفترة طويلة وتبادل عدة مسودات للاتفاق النهائي، هي دلائل تشير مجتمعة إلى وجود نية جادة والتزام واضح من قبل الأطراف بابرام الصفقة العقارية، مما يجعل مذكرة التفاهم في الحالة المذكورة اتفاقًا ملزمًا وقابلًا للتنفيذ.
في السوابق المذكورة، وجد القضاء أن الوثيقة الأولية في المفاوضات قد تشكل اتفاقًا ملزمًا، وهو يقصد بالقرارات المذكورة تثقيف الاطراف المعنية بأهمية التعامل بجدية مع التفاهمات أو الوثائق الأولية التي يتم صياغتها خلال المفاوضات. مع ذلك، قد تثني هذه القرارات الاطراف المعنية عن الدخول في مفاوضات أو تدفعهم إلى التعامل بحذر مفرط وانعدام للثقة تجاه الطرف الاخر خلال المفاوضات لابرام الاتفاق المنشود، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد المفاوضات وزيادة تكاليفها. لهذا السبب، حذر القاضي غروسكوفيف في قضية عجمي من أن القضاء يتجه كما يبدو بشكل مبالغ فيه نحو الاعتراف بالوثائق الأولية كاتفاقات ملزمة على عكس ما كان في السابق اي ان الاتفاق النهائي بين الأطراف هو الملزم والساري وحده، وأنه قد يكون من الضروري في المستقبل كبح هذا الاتجاه، خاصة في الصفقات العقارية، ووضع قواعد صارمة أكثر للاعتراف بالوثائق الأولية كاتفاقات ملزمة.
ستكشف الأيام عن القضية المستقبلية التي ستبرر للمحكمة العودة إلى نهج متشدد اكثر مثلما مثلما اوصى القاضي غروسكوفيف في سابقة عجمي، ولكن حتى تلك الساعة تدعو السوابق المذكورة القضائيين الذين يرافقون الأطراف المعنية في العقود والصفقات المختلفة، وبخاصة الصفقات العقارية، إلى التأكد من القيمة القانونية ومدى إلزامية الوثائق الأولية التي يوقعها او يتبادلها الأطراف خلال مرحلة المفاوضات لانها قد تكون ملزمة كإتفاق نهائيّ مع ان الطرف المعني لم يقصد ذلك حقاً.
[email protected]
أضف تعليق