في عام 2003 وقبل العُدوان الأمريكي على العِراق العظيم بأيّام، التقيت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وكان عائدًا من زيارةٍ لواشنطن التقى فيها الرئيس جورج بوش، وكان بصُحبتي الزّميل والصّديق بسام البدارين مدير مكتب صحيفتنا في الأردن في ذلك الوقت، الحديث امتدّ لعدّة ساعات، ولم يكن للنّشر، ولكن ما لفت نظري أنّ العاهل الأردني قال إنّ الرئيس الفرنسي في حينها جاك شيراك، طلب منه التّعريج على باريس وهو في طريقه إلى واشنطن، وأوصاه أن يُحذّر الإدارة الأمريكيّة من خططها لغزو العِراق، لأنّ هذا العُدوان إذا تم لن يكون في مصلحة أمريكا والغرب، وسيُصعّد العُنف والإرهاب وعدم الاستقرار في المِنطقة وسيُؤثّر سلبًا على المصالح الغربيّة.

تذكّرت هذا اللّقاء وأنا أترحّم على فرنسا وسياساتها هذه الأيّام المُعادية لكُل شيء عربي ومُسلم، وانبطاح قيادتها الكامل تحت أقدام نتنياهو والمجلس الفرنسي للمؤسّسات اليهوديّة الذي بات يتحكّم بسِياساتها وإعلامها، ويُدين بالكثير من الولاء لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
***
بالأمس تطاول بنيامين نتنياهو بكُلّ وقاحةٍ على الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وشنّ عليه هُجومًا شرسًا لأنّه طالب بوقف إرسال الأسلحة إلى الكيان الصّهيوني حتّى لا يُستخدم في الحرب في قطاع غزة، مثلما حذّر الرئيس الفرنسي من تحوّل لبنان إلى “غزّة أُخرى” داعيًا إلى عدم التّضحية بالشعب اللبناني، ووقف كُلّ الأعمال العسكريّة الإسرائيليّة في لبنان وعودة الجيش اللبناني إلى الحُدود وإجراء انتخابات رئاسيّة في أسرعِ وقت.
نتنياهو اتّهم ماكرون بارتكابِ إثم كبير، ووصف تصريحاته بالعار والعيب، لأنّه تلفّظ بهذه العبارات في حديثٍ لمحطّة “فرانس إنتر” الرسميّة، وادّعى أنّه (نتنياهو) يُحارب قِوى الشّر العالميّة بزعامة إيران التي تُريد تدمير الحضارة، وتدعم الإرهاب والتخلّف في العالم.
زُعماء فرنسا وخاصَّةً شيراك لم يكونوا ليقبلوا بمِثل هذا التّطاول ومن دولةٍ مارقةٍ إرهابيّة مِثل دولة الاحتلال، ومِن قِبَل إرهابي مِثل نتنياهو يرتكب حرب إبادة في قطاع غزة بلغ عدد ضحاياها الأوّلي 41 ألف مدني مُعظمهم من الأطفال والنّساء والمُسنّين، علاوةً على إصابة 150 ألفًا آخرين، وتشريد مليوني إنسان يُواجهون خِيارًا واحِدًا في مُخيّماتهم بعد تدمير 95 بالمئة من بُيوتهم، أمّا الموت بالقنابل الأمريكيّة العِملاقة، أو الموت والشّهادة جُوعًا.
أي نوع من الحضارة التي يُدافع عنها نتنياهو؟ قتل الأطفال، وخنق الخدّج منهم في حواضنهم الصناعيّة، وتدمير المُستشفيات، ودور العبادة، والمدارس؟
أمْرٌ مُؤسف أن يتراجع ماكرون عن تصريحاته، ويطلب من المتحدّث باسم قصر الاليزيه التدخّل “لترقيعها” وتخفيفها، والتّراجع عنها بشكلٍ غير مُباشر، فهذه ليست من أخلاقيّات الزّعماء الذين يحترمون أنفسهم، ومشاعر شُعوبهم، وخاصَّةً الملايين منهم الذين تظاهروا في شوارع باريس احتجاجًا على المجازر الإسرائيليّة وتضامنًا مع الصّامدين العُزّل ضحايا العُدوان الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان والضٍاحية الجنوبيّة البطَلة، أرض الشّهداء المُقاتلين وعاصمة سيّد الشّهداء حسن نصر الله.
***
نُبشّر ماكرون بأنّ نتنياهو الذي انهزم في قطاع غزة بفضل “طُوفان الأقصى” الذي نحتفل اليوم بذكراه الأولى لن ينتصر في لبنان، ولا إيران، وإذا كان قد ندم أشدّ النّدم على اغتياله السيّد حسن نصر الله، وقبله إسماعيل هنية، بعد وصول صواريخ حزب الله إلى حيفا وصفد وطبريا وتل أبيب، ومنع القوّات الإسرائيليّة مِن التّغلغل مِتْرًا واحِدًا في الأراضي اللبنانيّة، فإنّه قد لا يكون موجودًا سياسيًّا وربّما حياتيًّا إذا أقدم على ضرب إيران ومُنشآتها النوويّة والنفطيّة مُضافًا إلى ذلك أنّ مِثل هذه الحماقة التي تعكس ارتباكًا وانهيارًا نفسيًّا، (300 ألف إسرائيلي طلبوا علاجًا نفسيًّا لا نستبعد أن يكون نتنياهو أحدهم) ستقود الغرب، وعلى رأسه أمريكا وفرنسا إلى الهلاك، والأزَمات الاقتصاديّة الطّاحنة، ابتداءً من أزَمات الطّاقة وانتهاءً بعدم الاستِقرار الأمني الدّاخلي، ومبروك عليهم نتنياهو والمجلس “الفرنسي” للمنظّمات اليهوديّة الذي يتحكّم بالعباد والبلاد في فرنسا، ولنا عودة إلى هذا الموضوع وغيره في الأيّام القليلة القادمة حسب التطوّرات في لبنان واليمن وغزة والعِراق، والأهم من ذلك إيران التي تستعد لمُواجهة القصف الإسرائيلي “المُؤجّل” خوفًا ورُعبًا، ولعلّ ظُهور السيّد الإمام علي خامنئي المُرشد الأعلى يؤم صلاة الجمعة في العلن وفي قلبِ طِهران، والبُندقيّة إلى جانبه يشي بالكثير.. والأيّام بيننا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]