لا نستغرب حالة الاحباط التي تسود قطاعا كبيرا من أبناء الأمة العربية هذه الأيام من جراء اغتيال عدد من قادة المقاومة الإسلامية في لبنان على رأسهم سيد الشهداء حسن نصر الله أمين عام حزب الله، وتكثيف “إسرائيل” لغاراتها ومجازرها في لبنان.. مثلما لا نستغرب أيضا التوظيف المتعمد من قبل الاعلام الإسرائيلي والغربي، وبعض العربي، من محاولة إستثمار هذا العدوان ونتائجه من اجل تعميق حالة اليأس وصولا الى الاستسلام، فبنيامين نتنياهو خبير محترف في هذا الميدان، وخاصة تحشيده للوبيات السياسية، وتأسيسه منظومة “الهسبارا” لكي تكون الذراع الإعلامي الضارب لها، ورصد المليارات سنويا لتمويلها، وتجنيد عشرات الآلاف من الإعلاميين المحترفين وطلاب الجامعات بمختلف انحاء العالم للعمل تحت رايتها بما في ذلك بعض العرب للأسف، وبتشجيع من انظمتهم.
لا نجادل مطلقا، ونعترف دون تردد بأن عمليات الاختراق الأمني لحزب الله في لبنان من قبل إسرائيل والمدعوم أمريكيا واوروبيا وعربيا، كانت ضربة مؤلمة، وقاسية، بل مهينة، وصادمة أيضا، والشيء نفسه يقال عن القصف الجوي الإسرائيلي لحاضنة المقاومة المكثف للقرى والبلدات اللبنانية، واستمرار عمليات الاغتيال لما تبقى من قيادات لحزب الله في الوقت نفسه، وآخرها اليوم، ولكن هذه الصدمة، وهذا التدمير المعنوي المدروس بعناية، لن يعمر طويلا وسيتبخر بعد أيام معدودة، وبعد ان ينقشع غباره في نهاية المطاف، وسنرى واقعا جديدا مختلفا، ابرز معالمه انتقال الإحباط والخسائر الى الجانب الإسرائيلي ومستوطنيه وبشكل اكبر.
***
كاتب هذه السطور من الذين عايشوا جميع فصول هزيمة عام 1967، حيث كنت تلميذا في مدرسة بئر السبع الثانوية في مخيم رفح بقطاع غزة، وشاهدت آثار الصدمة في نفوس أهل القطاع بعد الهزيمة، وانهيار الجيش المصري بعد الآمال العريضة التي عقدوها عليه، ولكن خيبة الأمل لم تعمر طويلا خاصة بعد انطلاق المقاومة في غضون أيام معدودة، وتنفيذها لعمليات فدائية جريئة ضد قوات الاحتلال، ببنادق قديمة (كارلو) وإرادة قوية واعادت هذه العمليات، ومثيلاتها في الضفة الغربية الثقة الى الحاضنة الشعبية، بل والأمة العربية بأسرها، وجاء النصر الكبير في معركة الكرامة الذي تحقق بقيادة المشير مشهور حديثة الجازي، وقوات وتضحيات قوات مشتركة من نشامى الجيش الأردني وفدائيي فصائل المقاومة، جاء هذا النصر ليمحو حالة الإحباط، ويجثها من جذورها، ويجدد الأمل بالنصر الكبير على أرضية تحرير الأرض، كل الأرض، ودحر قوات الاحتلال.
المقاومة الإسلامية اللبنانية واصلت هجماتها في العمق الإسرائيلي الامس واليوم رغم النكسة وتصاعد العدوان الجوي الإسرائيلي وغاراته، فما زالت ترسانتها على حالها، وطافحة بالمعدات العسكرية، والصواريخ الدقيقة، والثقيلة، المخزنة في ترسانتها بأعماق جبال الجنوب اللبناني الشامخة، ووصلت هذه الصواريخ، ورغم المصاب الكبير الى حيفا ونهاريا وصفد، وكانت هذه الهجمات مجرد “فاتح شهية” ومقدمة لما هو اعظم، فرجالها أبناء وتلاميذ سيد الشهداء.
ما نريد قوله ان المقاومة فكرة “متجذرة” لا تموت بموت قادتها، وجاءت هذه العربدة الإسرائيلية لتعزيزها، وتعمقها وتوسع دائرتها، ومثلما رفع السيد الشهيد حسن نصر الله الراية بعد استشهاد المجاهد عباس موسوي، سيواصل السيد المجاهد هاشم صفي الدين المرشح الأكبر لخلافته المسيرة، وعلى النهج نفسه، وربما بطريقة ونتائج اكثر قوة وفاعلية، لان السيد هاشم لم يعد ملزما بالكثير من القيود، والتحالفات، والمعادلات، وقواعد الاشتباك التي كانت تحد من حركة سلفه الشهيد نصر الله رحمه الله وادخله فسيح جناته.
فرحة نتنياهو الذي نفش ريشه، وأصبح يتحرك مثل الطاووس ويرى نفسه كبطل قومي، لن تدوم طويلا، فالمارد العربي الإسلامي سيخرج من قمقم الصدمة حتما، وسيمتص آثارها أسرع مما كان يتصور، والمسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، والزمن هو خير علاج، وهي ليست نكستنا الأولى على أي حال.
لا نريد ان نستبق الأحداث، ولكننا ومن خلال بعض ما نعرفه من المعلومات عن القيادة الجديدة لحزب الله نستطيع ان نؤكد انها اكثر تشددا في كيفية التعاطي مع الاحتلال والثأر لشهدائها، وتعزيز صفوفها واغلاق كل الثغرات الأمنية، ولن يكون مفاجئا لنا، وبعد ترتيب الأوضاع الداخلية للحزب، وإعادة بناء منظومة القيادة العسكرية، اذا ما اتخذت هذه القيادة قرارات استراتيجية بضرب حيفا وتل ابيب وبئر السبع وعكا والقدس وكل البنى التحتية الإسرائيلية بما في ذلك المطارات والموانئ ومؤسسات الماء والكهرباء، فليس هناك ما تخسره والبادي اظلم.
***
نتنياهو هو الذي بدأ توسيع دائرة الحرب، ونقل المجازر وحرب الإبادة من قطاع غزة والضفة الى لبنان، وعليه ان يدفع ثمنا غاليا مقابل هذه المقامرة الخاسرة وكذلك داعميه الامريكان الذين ستصبح كل مصالحهم وقواعدهم في المنطقة مهددة.
فصف الحديدة ومطارها لن يمر بدون رد أيضا، ولا نبالغ اذا قلنا ان هذا القصف للبنى التحتية اليمنية هو اكبر خطيئة استراتيجية ترتكبها دولة الاحتلال، لأنها جعلت من اليمن ليس دولة مواجهة فقط، وانما ستجعلها تخوض الحرب بكل قواها ليس تضامنا مع قطاع غزة، وضغطا لوقف الحرب ضد أهلنا فيها، مثلما كان عليه الحال، وانما للانتقام لشهدائها الذين ارتقوا من جراء هذا العدوان، وعلى نتنياهو وجنرالاته ان يتوقعوا المزيد من صواريخ اليمن الأسرع من الصوت، والمسيّرات الحديثة، علاوة على عشرات آلاف المجاهدين اليمنيين الذين سيتدفقون على لبنان للمشاركة في الحرب المتصاعدة، وليس لمواجهة الجيش الإسرائيلي فقط، والدفاع عن المقاومة في لبنان، وانما لتحرير الجليل جنبا الى جنب مع نظرائهم من العراق وسورية، وربما الأردن والجزائر وايران والدول العربية الإسلامية، تماما مثلما كان عليه الحال في أيام المقاومة الفلسطينية ان لم يكن أكثر.
نؤمن بالمقولة التي تنغرس في قلب وضمير كل مؤمن، ولا نتحرج من تكرارها، وتؤكد “ان الخير قد يأتي من باطن الشر”، وهذه المقولة هي عنوان المرحلة المقبلة.. والأيام بيننا.
المقالات في الموقع تمثل كاتبها
[email protected]
أضف تعليق