مع مرور عام على اندلاع حرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشرت سلطة الابتكار تقريرًا موسعًا يقدم صورة حقيقيّة عن صناعة الهايتك في اسرائيل. ويتناول التقرير عواقب الحرب على إسرائيل وتأثيرها على واحدة من أهم الصناعات في الاقتصاد الإسرائيلي، المسؤولة عن أكثر من نصف صادرات إسرائيل، وحوالي ثلث إجمالي مدخول الدولة من ضرائب الدخل المترتبة على العاملين في هذا القطاع، وخمس الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب التقرير فان قطاع الهايتك الإسرائيلي، الذي يعتمد إلى حد كبير على المستثمرين الأجانب، يواجه فترة حرجة تتميز بزيادة في الخطورة والضبابية ذات تأثيرات متعددة على الاقتصاد الاسرائيلي برمته.

إلى جانب الاستقرار المدهش في إجمالي الاستثمارات في هذه الصناعة مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، فإن صورة وضع التوظيف والتشغيل في مجال الهايتك الإسرائيلي تعتبر مركّبة. بينما بدأت براعم النمو والانتعاش من الأزمات الاقتصادية العالمية تظهر في عالم التكنولوجيا، شهدت إسرائيل ركودا مقلقا في موضوع التوظيف والتشغيل ولم يطرأ أي نمو ملحوظ في هذا المجال منذ حوالي عامين.

وتحدثت وزيرة العلوم والتكنولوجيا والابتكار جيلا جمليئيل في هذا السياق حيث قالت: "ان الحرب أضافت تحديًا آخرا للاقتصاد الإسرائيلي، لكن التقرير يثبت أن صناعة الهايتك الإسرائيلية لا تزال تعتبر ركيزة تتمتع باستقرار وثبات. علينا أن نتحرك بشكل عاجل لضمان قدرة هذه الصناعة على الاستمرار في قيادة نمونا الاقتصادي، مع الحفاظ على مجموعة واسعة من مجالات ومراحل التطور التكنولوجي. لا يكفي أن نبقى مستقرين وثابتين فحسب، بل يجب أن نسعى جاهدين لتحقيق الرخاء والنمو، خاصة في مواجهة المنافسة العالمية".

الجمود في نسبة التوظيف: خطر للاقتصاد القومي

وأشار التقرير انه في العقد الماضي، تميزت صناعة الهايتك الإسرائيلية بالنمو المستمر في نسبة التوظيف، ولكن في العامين الأخيرين كان هناك انخفاض في وتيرة النمو، اذ يعتبر هذا الانخفاض مشكلة أساسية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، مع العلم ان العاملين في الهايتك يساهمون بشكل حقيقي في تعزيز مدخولات الدولة بسبب الضرائب التي يدفعونها. ويحذر التقرير من أنه إذا لم يكن هناك نمو كبير في التوظيف في قطاع الهايتك، فقد يكون هناك ضرر مستقبلي للمدخولات الى خزينة الدولة، في الوقت الذي يأخذ فيه العجز في الميزانية بالارتفاع.

وتطرق د. ألون ستوبل، رئيس سلطة الابتكار الى هذا الموضوع حيث قال: "ان الحرب والتحديات المصاحبة لها ادت إلى توقف النمو في التوظيف والتشغيل بمجال الهايتك وفي شتى مجالات الأعمال. وهذه تعتبر علامة تحذير واضحة. لقد أصبحت صناعة الهايتك ترتكز أكثر على وظائف ومهمات تكنولوجية، مما يشير إلى أن النمو التجاري لشركات الهايتك تحدث خارج إسرائيل، وإذا استمرت هذه العملية، فإنها ستؤثر أيضًا على فرص الأشخاص الذين يعملون بوظائف وهمية للاندماج في قطاع الهايتك من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية لشركات الهايتك الإسرائيلية في مواجهة المنافسة العالمية. يجب أن نعمل على توفير آليات تضمن التوازن والتشجيع، من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية للهايتك الإسرائيلي ونمو شركات بأكملها لمواجهة الساحة العالمية. "

الهايتك الاسرائيلي: الحفاظ على جذب الاستثمارات مع جمود في التوظيف

وبحسب التقرير فأنه على الرغم من الوضع الأمني، تبقى إسرائيل نقطة جذب كبيرة للاستثمارات الأجنبية. من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى أن نمو عدد العاملين في الصناعة، التي كانت محرك النمو الاقتصادي في العقد الماضي، قد تباطأ بشكل كبير. فمنذ عام 2022، شهد الهايتك توقف شبه كامل في نمو عدد العاملين، هذا العدد الذي بقي ثابتًا عند حوالي 400 ألف عامل، الذين يشكلون حوالي 11% من العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي (هذه النسبة التي توقفت أيضًا عن النمو).

إلى جانب الجمود في مجال التوظيف، حافظ الهايتك الإسرائيلي على الاستقرار في تجنيد رؤوس المال، حيث جمعت شركات الهايتك ما يقارب 9 مليارات دولار في الفترة ما بين أكتوبر 2023 وأغسطس 2024. وهذا المبلغ يضع الهايتك الاسرائيلي في المركز الثالث في العالم في جمع رأس المال، بعد وادي السيليكون ونيويورك، وبتفوق على صناعات هايتك مثيلة أخرى مثل لندن وباريس.

وقال درور بين، المدير العام لسلطة الابتكار عن معطيات هذا التقرير: "من ناحية، يظهر التقرير الجاذبية الكبيرة لشركات الهايتك الإسرائيلية للمستثمرين، حتى في أوقات الأزمات، لكن من ناحية أخرى، يظهر التقرير تباطؤًا كبيرًا في نمو عدد العاملين في الهايتك، الى جانب تباطؤ في الاستثمارات في الشركات التي تتواجد بمراحل مبكرة، وغيرها من المؤشرات. من أجل ان نضمن أنه مع انتهاء أزمة الهايتك وعودته الى مساره ونموه السريع، يجب علينا العمل والتأكد غلى مواصلة تدفق الاستثمارات إلى الشركات الناشئة في مراحلها الأولى وإلى جميع مجالات التكنولوجيا، وليس فقط إلى الشركات الكبرى والشركات السيبرانية. ان أفضل طريقة للقيام بذلك، من بين أمور عديدة أخرى، هي زيادة الاستثمار الحكومي في الهايتك خلال السنوات المقبلة أيضًا، كما تم في العام 2024.

فجوات في التوظيف والبحث والتطوير - لأول مرة في النصف الأخير من العام، كان أكثر من نصف العاملين في صناعة هايتك يعملون بوظائف البحث والتطوير

ويشير التقرير أيضًا إلى حدوث تغيير في مزيج التوظيف في مجال الهايتك، فبينما استمرت وظائف البحث والتطوير في النمو، تراجعت نسبة الوظائف المتخصصة بمستويات الانتاج والعمليات التجارية. حيث يخلق هذا الوضع صناعة تركّز بشكل أساسي على وظائف البحث والتطوير، مع انخفاض في الأدوار التي تدعم تطوير المنتجات والعمليات التجارية. مما يعني وجود فرص عمل أقل في مجال الهايتك لأولئك الذين لا يشغلون مناصب تكنولوجية. الأمر الذي يحد من قدرة الهايتك على النمو كصناعة توظيف في إسرائيل.

تركيز الاستثمارات في الشركات القوية والسايبر

ويكشف التقرير أنه في حين أن إجمالي الاستثمار في شركات الهايتك لا يزال مستقرا، إلا أن هناك اتجاها نحو تركيز الاستثمارات في الشركات الناضجة، وخاصة في مجالات السايبر، حيث تم توجيه ما يقارب من ٪60 من الاستثمارات التي تمت خلال الحرب الى جولات تجنيد اموال كبيرة (أكثر من 50 مليون دولار)، معظمها لشركات قوية، مع العلم ان مجال السايبر أصبح مهيمنا بشكل خاص، وشمل حوالي ٪35 من إجمالي الاستثمارات في هذه الفترة، أي ضعف الرقم في السنوات السابقة.

ويشير هذا الاتجاه إلى نجاح مجال السايبر في إسرائيل، لكنه يسلط الضوء أيضًا على خطر تقليص الاستثمارات في الشركات الناشئة الحديثة وغيرها من المجالات. لذا نحن بحاجة إلى الاستمرار في التأكد من وجود رأس مال كافٍ للاستثمار في الشركات في مجالات أخرى أيضًا. فالركود في الاستثمارات في المراحل المبكرة قد يضر بالتطويرات الحديثة المبتكرة ويقلص من نمو الشركات الجديدة التي تشكل أساس الابتكار المستقبلي في إسرائيل.

أجوراً مرتفعة وفوارق متزايدة

وأظهر التقرير ايضا انه في حين بقي التوظيف في مجال الهايتك دون نمو، استمرت الأجور في هذا القطاع الصناعي في الارتفاع، مع العلم ان الفجوة بين أجور العاملين في الهايتك وبين سائر العاملين في المرافق الاقتصادية الاخرى آخذة في الاتساع. وبلغ معدل رواتب العاملين في مجال الهايتك في الربع الثاني من عام 2024 نحو 31.5 ألف شيكل، أي 2.8 ضعف معدل الرواتب في سائر المرافق الاقتصادية في البلاد. وتشير هذه الزيادة في الأجور إلى الطلب على المهارات التكنولوجية الذي سيزداد في المستقبل.

بوادر انتعاش في العالم وتباطؤ اسرائيل

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة في العائدات بين شركات التكنولوجيا الإسرائيلية وشركات الناسداك مستمرة في الاتساع، ففي حين سجل مؤشر ناسداك عائداً بنسبة ٪31منذ اندلاع الحرب، ارتفع مؤشر تل أبيب للتكنولوجيا بنسبة ٪14فقط، وهي الفجوة التي تسلط الضوء على المنافسة المتزايدة في أسواق المال العالمية. من المهم أن نلاحظ أنه حتى بداية عام 2023، قدم مؤشر ناسداك 100 ومؤشر تل أبيب للتكنولوجيا عوائد مماثلة.

تلخيص وتوصيات:

مع مرور عام واحد على اندلاع الحرب، من الواضح أن قطاع الهايتك الإسرائيلي أظهر ثباتاً غير عادي، لكن التحديات التي كشف عنها التقرير تتطلب خطوات فعلية من أجل الحفاظ على مكانته كمحرك رئيسي للنمو. حيث توصي سلطة الابتكار باتخاذ خطوات عملية، منها:

1. التتبع المستمر للمؤشرات الرئيسية في الهايتك اهمها نسب التشغيل في هذا القطاع، تسجيل الشركات الجديدة، زيادة رأس المال والتأثيرات العالمية.

2. زيادة الاستثمار الحكومي في الهايتك، وخاصة في الشركات الناشئة الحديثة، وفي الشركات التي تتواجد في المراحل الأولى من النمو وفي مجالات التكنولوجيا التي تتضمن رأس مال خاص منخفض.

3. الحد من الضبابية في البيئة التجارية – العمل على توفير الاستقرار في الساحة التجارية المحلية لجذب الاستثمار الأجنبي وضمان استمرار النمو.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]