حول التأثيرات النفسية للحرب تحدث موقع بكرا مع د. محمود سعيد - متخصص بعلم النفس التربوي والعيادي والصدمي.

وقال خلال حديثه: "العيش في حالة حرب بشكل عام، يعني التعرض المستمر لحالة تهديد وشيك للبقاء، حيث تنشط الدوائر العصبية للخوف والتوتر بشكل مزمن. ويعد تفعيل هذه الدوائر استجابة تكيفية ووظيفية للدماغ لتجارب الخطر، إلا أن تنشيطها المكثف والمتكرر يمكن أن يؤدي إلى تغييرات هيكلية في بنية الدماغ مما يؤدي، في بعض الحالات، إلى ظهور سلوكيات غير قادرة على التكيف وأمراض نفسية".

وتابع: "في الواقع، الدماغ مادة مرنة: فالتجارب تعدل الروابط بين الخلايا العصبية، والوحدات الأساسية لعمله، فتتعدل وتتكيف تبعًا للتجارب التي نعيشها، من أجل التعلم من الماضي للتنبؤ بالمستقبل وإدارته، وهذا يحدث قبل كل شيء عندما تتميز التجارب بقيمة بيولوجية مكثفة، مثل الخطر. ومن ثم فإن التعرض المزمن يؤدي إلى زيادة صلابة هذه التغييرات: كلما تكرر الموقف تعززت البنية العصبية التي تشفره، والتي تربط بين المحفزات والعواطف والعواقب، بينما تضعف الروابط الأخرى".

وأضاف: "ومن الناحية النفسية، فلكل فرد نماذج ومخططات عقلية محددة تسمح له بإدارة الواقع وفهمه. هذه العملية انتقائية وجزئية، لكنها مع ذلك تضمن الشعور بالأمن والاستقرار، وتسمح بتحديد رؤية معينة للعالم يمكن بالتالي قبولها. عند مواجهة تجربة مؤلمة مثل الحرب، يواجه كل فرد عالمًا لم يعد له معنى. إن النماذج العقلية الموجودة تحت تصرفه غير قادرة على استعادة مشاعر الأمان والاستقرار، مما يولد إحساسًا مستمرًا باليقظة المفرطة والخوف والقلق، ويؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث الصدمة".

فقدان السيطرة على دائرة التنبيه والخوف

واشار كذلك: "إن إحدى التغييرات الهيكلية والوظيفية الأكثر تكرارًا بعد التعرض الشديد أو المزمن للصدمة، هو فقدان السيطرة على دائرة التنبيه والخوف. ففي الحياة اليومية، تمارس قشرة الفص الجبهي- prefrontal cortex التحكم من أعلى إلى أسفل (وفقًا لتسلسل هرمي من الأعلى إلى الأسفل) على الهياكل الأخرى للدماغ: وهي موطن الوظائف التنفيذية الأكثر تقدمًا، مثل التخطيط والتفكير المنطقي، وتضع PFC المحفزات من خلال دمجها في السياق، لإنتاج استجابات سلوكية فعالة ومناسبة. ومع ذلك، عندما يحدد الجهاز الحسي تهديدًا ما، يتم منع القشرة الجبيهة من الأخذ بزمام الأمور إلى دائرة الخوف البدائية".

وأوضح ايضًا: "هنا تتسلم اللوزة الدماغية، وهي بنية تحت قشرية التي تشارك في ترميز المنبهات البارزة، أي ذات الأولوية و"القيمة"، وتصبح المنسق الرئيسي للاستجابة الغريزية: فبمجرد أن تتلقى المعلومات الحسية المشفرة على أنها مثيرة للقلق، فإنها تحجب الـ PFC، وتنشط الجزء الودي من الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يحفز إطلاق الأدرينالين، وينشط محور HPA hypothalamic-pituitary-adrenal (HPA) axis الغدة النخامية والغدة الكظرية، المسؤولة عن الدورة الدموية للكورتيزول، والذي يسمى كلاسيكيًا هرمون التوتر، وينشط في الوقت نفسه هياكل الدماغ العميقة (مثل الجزء الرمادي المحيط بالمسال، PAG-periaqueductal gray، والقناة العصبية العميقة locus coeruleus-LC، كل ذلك لتكوين الاستجابة الفيزيولوجية والسلوكية، التي تهدف إلى إزالة التهديد: أي عملية تجهيز الجسم لعمليات "القتال أو الهروب" (الاقدام والاحجام) الشهيرة “fight or flight” (FF)".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]