كمواطنين فلسطينيين في إسرائيل، تُلطخ حياتنا اليومية بالتمييز المنهجيّ، والاضطهاد، والإهمال، والعنف. محاصرون في حالة دائمة من القهر، الملاحقة، وفي احسن الحالات شراكات وحقوق مشروطة.

بعد السابع من أكتوبر، واجهنا مجتمعًا اسرائيليًا مصدومًا بشدة وقيادة سياسية تستغل هذه الصدمة وتستغل الحدث لمشروعها السياسي، والذي يشمل مسار تحريض طويل ضدنا. وقد ادى ذلك إلى تفاقم وضعنا لدرجة لا تحتمل، من جهة تحريض ومجتمع بمعظمه مع قيادته السياسية ينظرون إلينا كطابور خامس، ويمنعنا حتى من التعبير عن رأينا، وحتى عن التضامن مع أبناء شعبنا، الذين بدأت تنفذ بحقهم ما يمكن وصفه بنكبة ثانية، وباعتراف مسبق من بعض قيادات إسرائيل في اعقاب السابع من أكتوبر.

قدرتنا على الكلام او الفعل او إحداث التغيير تحت حكومة فاشية كانت محدودة وباتت شبه مستحيلة، تضاءلت بشكل مخيف، رغم أن خطابنا، بسوادنا الأعظم، كان دائمًا يتمحور حول النضال السلمي من أجل المساواة والحرية والسلام، ولم يتغيّر في أعقاب الأحداث، بل تعزز وكبر.
وفي ظل كل حالة الترهيب التي تفاقمت، وفي ظل صمت قسم كبير جدًا من الأطراف، داخل المجتمع العربي، أو الأطراف المحسوبة على اليسار الإسرائيلي، ظهر حراك "نقف معًا"، كنقطة نور وسط نفق مظلم، ليقول كلمة حق، عجزت أو امتنعت أطراف عديدة ادعت لسنوات أنها مع حقوق المجتمع العربي، عن قولها. من الأسبوع الأول أطلق الحراك حملات مكثفة ضد التحريض وضد الترهيب، تابع قضايا الطلاب وملاحقاتهم، نشط في المدن الساحلية المختلطة حيث كان بن غفير وغيره يبحثون عن اشعال جبهة أخرى، أطلق حملات مساعدة وإغاثة للقرى العربية المتضررة في النقب، ونادى من اليوم الأول لوقف الحرب، ولم يتوقف، على عكس ما نعرفه وتعودنا عليه منذ سنوات، لم يتوقف، حافظ الحراك على استمرارية في نشاطه بقول كلمة حق في وجه دولة كاملة، لوقف الحرب، ولانتهاء الاحتلال، وللمضي نحو السلام. نعم، سلام.

تضم قيادة "نقف معًا" وهو حراك عربي -يهودي شعبي، العديد من الاعضاء الفلسطينيين، والذين ينشطون من منطلق ايديلوجي اشتراكي وقناعة تامة بأهمية ودور النضال المشترك، نحو التحرر المشترك من كافة حالات القمع، وأهمها وأولها الاحتلال. هم أبناء لمجتمعنا، يعيشون كل تفاصيله وآلامه وهمومه، ومن منطلق "المقاومة البناءة" التي تسعى لبناء حيز بديل للنشاط في ظل القمع أدركنا أننا لا يمكن ان نبقى صامتين في ظل المجاعة والتجويع الممنهج كأداة في الحرب على اهلنا في قطاع غزة. ولهذا بادرنا في إطلاق "الحملة الشعبية ضد التجويع في غزة". هذه الحملة استطاعت تفريغ إلى حد ما الألم والقهر في المجتمع العربي والتخفيف في الشعور بالعجز. طريق هذه المبادرة لم يكن سهلا ولا يزال أمامنا الكثير من العمل. ولكن الأكيد هو ان انطلاق هذه الحملة كان قرارا حاسمًا ودقيقًا.

وما عزز قناعتنا أكثر وأكثر بأهمية هذه الحملة وأهمية توقيتها كان الكم الهائل من المتطوعين وتفاعل الناس في الميدان. حتى البلدات التي لم نصل إليها وفق البرنامج الذي وضعناه مسبقًا، قاموا بشكل ذاتي بتجميع المساعدات وتواصلوا معنا، كان المخطط أن نجم حمولة بعض الشاحنات، فتجاوز العدد الـ300 شاحنة، هل تتخيلون؟ هل تفهمون عن أي كمية أتحدث؟ على وسائل التواصل الاجتماعي عبّر الكثيرون عن دعمهم وامتنانهم لهذه المبادرة، حتى الذين لا يؤمنون بطريق نقف معًا، لأن حق كل انسان الإيمان بالطريق الذي يراه مناسبًا للنضال.
ومع ذلك، لا بد من التعليق على بعض الأصوات القليلة التي انتقدت الحملة، خصوصًا خلف الادعاء أن من يقودها هو حراك "يسار اسرائيلي" بدلا من لجنة المتابعة للجماهير العربية او احدى الأحزاب العربية. حيث حذروا من التعاون مع هذا "اليسار"، متهماً اياه بمحاولة التسلل إلى القرى والمدن العربية، ومشككا بنواياه، لدرجة أن البعض تساءل مشككًا عن كيفية حصول الحراك على موافقة للقيام بحملة كهذه دون غيره، إلا أن هذه الادعاءات فُنّدت فورًا بعد انطلاق حملة أخرى، وبعد مواجهتهم بأن هنالك حملات، ولو كانت قليلة، أقيمت من قبل، مثل حملة الجبهة والحزب الشيوعي، ونجاح حملة نقف معًا ليس سببًا ليُلام الحراك عليه، بل سببًا للثناء على الحراك وناشطيه وعمله المهني.

ورغم ذلك، ولأننا نعتبر أن الانتقاد يكون فقط لمن يعمل ويتحرك، فقد تقبلنا هذا الأمر وجعلناه دافعًا للتطور والتغيير والتجديد والتقدم والنمو. خصوصًا وأن الدعم الذي رأيناه، من كافة فئات المجتمع على الإطلاق، أكبر بكثير حجمًا وكمًا من الانتقادات.

نحن قيادة فلسطينية في حراك نقف معًا، نحن نتألم، نتوجع، نناضل، نقاوم، نُلاحق ونُهدد بشكل يومي. نسعى لبناء يسار شعبي مشترك يحوي نضالنا القومي الوطني والجندري والطبقي وهذا ايماننا في نظرية التغيير ونحن نصر على شرعيته بل وضرورة وجوده.

ولا بدي لي بأن أنوه أن محاولات الاستهزاء من منظمات "التعايش" واليسار الاسرائيلي ليست فارغة فحسب، بل تهمشنا وتلغي دورنا كفلسطينيين يعملون، يكدون، يفكرون ويشاركون بشكل كامل بقيادة هذا الحراك مع الزملاء اليهود الذي ينشط بعضهم منذ بداية الحرب خصوصًا، بشكل يستحق كل احترام وغير مفهوم ضمنًا، من أجل الحرية والمساواة، من أجل العدالة الاجتماعية. فمع كل الاحترام للنقد ولبعض الشكوك، الرجاء عدم تهميش مئات القياديين الفلسطينيين في الحراك ودورنا في قيادة رؤية جديدة لمجتمعنا الفلسطيني والمجتمع في اسرائيل عامة. ممكن ألّا توافقونا أيديولوجيا، وهذا شرعي، لكن رجاءً لا تهمشوا دورنا وعملنا وجهدنا الذي نقوم به من منطلق ايمان تام بطريقنا.

في هذة الأوقات الصعبة، حاول حراك نقف معًا أن يكون مصدرًا للأمل لعشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وفر لنا مساحة سياسية آمنة - منصة يمكننا من خلالها المطالبة بوقف إطلاق النار، الشعور بأمان والتنظيم من اجل مستقبل نكون فيه احرارا ومتساوين في وطننا.
ومن خلال الحملة الشعبية ضد التجويع في غزة-
اولاً، استطاع حراك نقف معا الوصول وتجنيد، من ثم تحريك ألاف المتطوعين والناشطين والوصول إلى مئات آلاف من المواطنين، وهذا ليس عاديًا ولا يحصل كل يوم ولم يشهده مجتمعنا منذ سنوات.
ثانيا، طرح سؤال سياسي معقد بطريقة شعبية، حيث سلطت الحملة الضوء على العلاقة بين الحرب والتجويع واقامت رابط مهما بين العمل والنظرية، وبين اليهود والعرب، من خلال حملة عادلة وضرورية.
ثالثا، وجود العديد من النشطاء اليهود في هذه الحملة، وعملهم في البلدات الفلسطينية، أعاد الامل في طريق مختلف - طريق المساواة والعدالة وطريق المصالح المشتركة، طريق السلام. نعم، سلام.
رابعا، خلقت الحملة منصة للتعبير السياسي في مناخ يسوده الصمت. الصوت الفلسطيني خُنق لأشهر ومن خلال الحملة سمعنا هذا الصوت. الصوت الداعي لوقف إطلاق نار وانهاء الحرب.
بشعبنا، نفتخر كثيرًا، وهذه الحملة زادت فخرنا وضاعفته، الاقبال المؤثر أكبر من أن يوصف حتى. وبطريقنا نعتز، ونُصر على ايماننا به وبالشراكة الحقيقية نحو العدالة الحقيقية المبنية بالأساس على انهاء الاحتلال وإحلال السلام.
وعلى هذا الطريق، نستمر.
كلنا فخر، في شعبنا، في بلدانا، في ناسنا. ومستمرات/ون 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]