مقدمة
​الحواسّ هي واحدة من نِعَمِ الله الّتي لا تُحصى، والتي أنعم الله بها على الإنسان. والحواسّ هي: حاسّة الشمّ، والذوق، واللمس، والسمع، والبصر. وهذه الحواسّ تُساعد الإنسان على اكتساب المعلومات مِنْ وعَنْ البيئة القريبة والبعيدة. إضافةً لذلك، فالحواسّ تتحسّن وتتطوّر مع التقدُّم في العمر واكتساب المعرفة، بل إنّ التعلّم في الجيل المبكّر (الطفولة المبكّرة) يعتمد كثيرًا على الحواسّ، وهذا ما تؤكّده نظريّة النموّ المعرفي لبياجيه. والمرحلة الأولى تُدعى: المرحلة الحسيّة الحركيّة، وتكون من الولادة حتى سنتين.
​أمّا بالنسبة لمعرفة البلاد، فمجالاتها عديدة ومتنوّعة؛ التعرّف على تاريخ البلاد، وتاريخ السكّان الموجودين في المكان، والتعرُّف على لغتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، وطريقة معيشتهم، وعلى اللباس الذي يلبسونه والطّعام الذي يأكلونه وغير ذلك.
​والرحلات السياحية ليست مجرد فرصة للاستمتاع بمشاهدة أماكن جديدة أو التعرف على ثقافات مختلفة؛ بل هي تجربة حسية متكاملة تلامس جميع جوانب الإدراك الإنساني. في كل رحلة، يلعب كل من الحواس الخمس: البصر، السمع، الشم، التذوق، واللمس، دورًا أساسيًا في تشكيل تجربة فريدة ومعبرة لا تُنسى.
​إنّ تجربة السائح لا تقتصر فقط على ما يراه بعينيه، بلْ تتجاوز ذلك لتشمل ما يسمعه، يشمّه، يلمسه، ويذوقه. كل من هذه الحواس يساهم في إثراء التجربة وجعلها أكثر واقعيةً وارتباطًا بالشعور الشخصي. على سبيل المثال، البصر يُمكّن السائح من استيعاب المشاهد الطبيعية والمباني التاريخية، بينما يساعده السمع على الانغماس في الأصوات المميّزة للمكان، سواءً كانت موسيقى محلية أو أصوات الطبيعة. الشم بدوره يحمل ذاكرة قوية تُمكّن الإنسان من تذكّر الأماكن والأحداث لفترة طويلة. رائحة الطعام المحلي، أو رائحة الهواء في جبل معين، تبقى محفورة في ذاكرة السائح لتذكره بتلك اللحظة الخاصة. التذوق هو تجربة غنية بالمعاني الثقافية، حيث يعكس الطعام المحلي جزءًا من هوية المكان، ويُقدم للسائح فرصةً لتذوق ثقافة جديدة بعمق. أمّا اللمس، فهو الجسر الذي يصل بين السائح والمكان، حيث يمكنه أن يشعر بنسيج الأشياء، مثل ملمس الصخور القديمة في المواقع الأثرية أو ملمس الأقمشة التقليدية في الأسواق المحليّة.
1. حاسة البصر
​البصر هو الحاسّة الأكثر تأثيرًا في تجربة السائح. المشاهد الطبيعية، الهندسة المعمارية، والألوان المحيطة، كلها تساهم في تشكيل الانطباعات الأولى عن المكان. تشير الدراسات إلى أن الانطباعات البصرية تؤثر بشكل كبير على رضا السائحين عن رحلتهم.
​على سبيل المثال، عند زيارة منطقة طبريا، يمكن للمرشد السياحي أن يأخذ المشاركين في رحلة إلى غابة سويسرا حيث يمكن للسياح الاستمتاع بمناظر مدينة طبريا، بحيرة طبريا، هضبة الجولان وجبال كنعان وصولا إلى جبل الشيخ البعيد والتي تشكل بانوراما طبيعية خلابة. هذه التجربة البصرية الفريدة تعزز من ارتباط المشاركين بالمكان وتضيف قيمة جمالية لرحلتهم.
2. حاسة السمع
تلعب الأصوات دورًا مهمًا في تعزيز الرحلة السياحية. الأصوات الطبيعية، مثل هدير الأمواج أو تغريد الطيور، يمكن أن تُعزّز من الشعور بالارتباط بالمكان.
​على سبيل المثال، عند زيارة نهر الدان، يشتهر المكان بأصوات الطيور المتنوعة وهدير المياه المتدفقة بين الصخور. هذه الأصوات الطبيعية تخلق أجواءً مريحة وتساعد المشاركين في الرحلة على الشعور بالسلام الداخلي والاتصال بالطبيعة. توجيه المشاركين للإصغاء إلى هذه الأصوات يعزز من تجربتهم، حيث يمكن للمرشد السياحي استخدام هذه الأجواء الصوتية لتعزيز القصص أو المعلومات التي يقدمها حول المنطقة.
3. حاسة الشم
​الروائح تلعب دورًا كبيرًا في تذكر الأماكن والتجارب. الروائح المميزّة لأماكن معينة، مثل رائحة الزهور في حدائق مشهورة أو رائحة الطعام المحلي، تترك انطباعًا قويًا يدوم لفترة طويلة.
​على سبيل المثال، عند زيارة "الْحِمّة السورية"، يمكن للسياح أن يختبروا رائحة الكبريت المنبعثة من الينابيع الحارة التي تميز هذا الموقع. هذه الرائحة الفريدة ترتبط بالخصائص العلاجية للمياه وتضيف بُعدًا حسيًا يربط بين الرائحة وبين تجربة الاسترخاء والشفاء التي يبحث عنها الزوار.
4. حاسة التذوق
​ التذوق هو أحد الحواس التي يمكن استغلالها بشكل مباشر في الرحلات السياحية من خلال تقديم المأكولات والمشروبات المحلية. تجربة الطعام المحلي هي جزء أساسي من ثقافة أي بلد، ويمكن أن تكون جزءًا مهمًا من الرحلة.
​في مدينة الناصرة، التي تشتهر بمطاعمها ومَحالّ الحلويات، يمكن للمرشد السياحي أن ينظم جولة تذوق تأخذ المشاركين عبر شوارع المدينة لتجربة الأطباق التقليدية والحلويات المشهورة مثل "الكنافة، البقلاوة، الحُمّص والمسبّحة....." هذه التجربة تعزز ارتباط المشاركين بالثقافة المحلية وتضيف بُعدًا حسيًا إضافيًا من خلال التذوق.
5. حاسة اللمس
​اللمس يمكن أن يكون له تأثير عميق على تجربة السياح، خاصة في الرحلات التي تشمل أنشطة تتطلب التفاعل المباشر مع البيئة، مثل تسلق الجبال أو زيارة المواقع الأثرية. الملمس الفعلي للأشياء، سواء كان ناعمًا، خشنًا، أو غير ذلك، يمكن أن يعزز من الإحساس بالمكان.
​على سبيل المثال، في رحلة إلى جبال إيلات، يمكن للمشاركين تجربة لمس الصخور التي تكوّنت عبر آلاف السنين، واستكشاف الملمس الفريد لهذه الصخور الجبلية. هذا التفاعل الملموس مع الطبيعة يضيف بُعدًا حسيًّا إضافيًّا للرحلة، ممَّا يُعمّق ارتباط المشاركين بالمكان.
خاتمة
​الحواس الخمس تُعد أدوات قوية لتعزيز تجربة السائح، وهي مفتاح لخلق رحلة لا تُنسى. على المرشد السياحي أن يدرك أهمية تفعيل هذه الحواس في كل جزء من الرحلة، فالتجربة الحقيقية تتجاوز مجرد نقل المعلومات إلى خلق ارتباط عاطفي وحسي بالمكان. من خلال استخدام هذه الحواس بطرق مدروسة وإبداعية، يمكن للمرشد أن يُحوِّل الرحلة إلى مغامرة حسية تمنح السائح شعورًا بالانتماء للمكان والزمان، وتخْلِق ذكريات لا تُمْحَى.
​أمّا بالنسبة للسائح، فإن الرحلة هي فرصة للاستكشاف ليس فقط للمعالم والوجوه الجديدة، ولكن أيضًا لاستكشاف ذاته من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة. عليك أن تستسلم لتلك اللحظات الحسية التي تعيشها، أن تصغي للأصوات، تتذوق النكهات، تستنشق الروائح، وتلمس التاريخ. إنها فرصة لتحويل الرحلة إلى تجربة حية تجسد التواصل الحقيقي مع العالم من حولك.
​في النهاية، سواء كنت مرشدًا أو سائحًا، تذكر أن الرحلة السياحية ليست مجرد مسار من نقطة إلى أخرى؛ بل هي فرصة لاختبار العالم بكل تفاصيله من خلال حواسك، وجعلها جزءًا من قصتك الشخصية التي سترافقك مدى الحياة.

مراجع
باكر، ج.، وبلاتين، ر. (2016). تأثير اليقظة الذهنية على تجارب السياح: دراسة ح ول اليقظة الذهنية في السياحة الطبيعية. أبحاث الترفيه السياحي. 41(1)، 122-113.
بين، ب. جي.، وجيلمور، ج. إتش. (1998). مرحباً بكم في اقتصاد التجربة. مجلة هارفارد للأعمال. 76 (4)، 105-97.
الصبّاغ، نور. (2019). جيولوجيا فلسطين وتاريخها الجيولوجي. دار النشر العربية.
العباسي، ليلى. (2020). البيئة الفلسطينية: دراسة في التنوّع البيولوجي، جامعة النجاح الوطنية، نابلس.
مصالحة، مروان. (2022). اضطرابات التواصل في اللغة والكلام. دار فضاءات، عمّان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]