​يكتسب الطفل اللغة والعادات والتقاليد عن طريق المحاكاة والتقليد في الأساس، وهذا ما أشارت له النظرية الاجتماعية لبنادورا. وتكون عملية التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها وكلاء التنشئة الاجتماعية وخاصةً العائلة (الوالدان) والمدرسة، ويكتسب الطفل أنواعًا عديدةً من التربية ومنها التربية الوطنية التي تتضمّن "معرفة البلاد".


​ولإعداد مواطنين صالحين في المجتمع، علينا إكساب الأفراد معرفة البلاد، ليذوتوا تاريخ بلادهم وعاداتها، والحوادث المهمّة التي حدثت مع إخوانهم في الماضي القريب والبعيد. بمعنى، "معرفة البلاد" هو واجب قومي واجتماعي وأخلاقي وسياسي، على مؤسّسات المجتمع المختلفة القيام به بشكل عام والعائلة والمدرسة بشكل خاص.
​وإعداد المرشدين "لمعرفة البلاد" يُساعد ويُعزّز ويقوّي روابط الأفراد مع جذور أرض الآباء والأجداد، ويكسبهم معلومات تاريخية واجتماعية وسياسية ودينية وغيرها عن وطنهم. وعن طريق معرفة البلاد تطوّر التربية الوطنية وتساعد في بناء مجتمع صالح وقومي.
​والسؤال المهم هو:


ما هي العلاقة بين التاريخ والثقافة؟
​تُساعد الثقافة والمعرفة بتاريخ البلاد في تعزيز الأفراد في موضوع معرفة البلاد، وفي الربط بين الماضي والحاضر، وفي معرفة أحداث الماضي وفهم علاقتها مع أحداث الحاضر.


​وبلادنا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كانت دائمًا مفترق طرق للحضارات المختلفة، إذ تعاقبت عليها العديد من الحضارات التي تركت بصماتها في كافة جوانب الحياة، بدءًا من المباني مرورًا بالفنون وصولاً إلى العادات والتقاليد. إنّ معرفة تاريخ بلادنا العريق يسهم في بناء شعور بالانتماء والهويّة لدى الأفراد، وهو ما يُعتبر حجر الأساس لأيّ مجتمع قوي.
​فمثلاً، مدينة بيت لحم هي قصة إرث ديني وثقافي، فهي مهد السيد المسيح عليه السلام، وتمثّل واحدة من أبرز الأمثلة على تداخل التاريخ والثقافة في البلاد. فالمدينة موقعًا مقدسًا للمسيحيين، ومركزًا ثقافيًّا يزخر بالتقاليد المحلية القديمة. إنّ زيارة مثل هذه المواقع ومعرفة تاريخها، يمنح الأفراد قوّة فكريّة ونفسيّة تُمكّنهم من التصدي للتحديات التي تُواجههم.
​وبلادنا ليست فقط مُتعدّدة الثقافات، بل هي أيضًا مُتعدّدة الديانات (اليهودية، المسيحية، والإسلامية)، هذا التنوّع الديني يعكس تاريخًا طويلاً من التعايش والتبادل الثقافي بين الأديان، ولكنّه أيضًا كان مصدرًا للصراعات عبر التاريخ. فالموقع الجغرافي المُميّز لبلادنا جعله هدفًا للتنافس السياسي والعسكري، وأدّى ذلك إلى نشوب العديد من الصراعات التي شكّلت تاريخ المنطقة.
​فالقدس مثلاً تُعتبر رمزًا للتعايش من جهة أولى، ومركزًا للسيطرة والصراع من جهة ثانية، فهي المدينة التي تحتضن الأماكن المقدّسة للأديان الثلاثة، وتُجسّد مثالاً حيًّا على هذا التداخل بين التعايش والصراع. فبينما تعكس المدينة تاريخًا من التنوّع الديني والتسامح، كانت أيضًا مسرحًا للصراعات الدينية والسياسية التي ما زالت مستمرّة حتى اليوم. إنّ معرفة تاريخ القدس بمختلف جوانبه يُعزّز من فهم الأفراد للأهمية الدينية والسياسية لهذه المدينة، ويدفعهم للعمل من أجل التعايش السلمي، فكلّ الديانات السماويّة تدعو إلى السِّلم والسلام والتسامح والأخوّة.


​والسؤال المهم هو:
ما هي العلاقة بين البيئة والطبيعة "ومعرفة البلاد"؟

​إضافةً إلى التاريخ والثقافة، تلعب المعرفة البيئيّة دورًا محوريًّا في تعزيز وعي الفرد لمحيطه. فبلادنا تحتوي على تنوّع بيئي غنيّ يمتدّ من السهول الخصبة إلى الصحاري القاحلة، ومن جبال الجليل إلى شواطئ البحر المتوسطّ. إنّ فهم هذه التنوّعات البيئيّة يُمكّن الأفراد من استغلال موارد الأرض بشكل مستدام، ويُعزّز قدرتهم على التكيّف مع التغيرات البيئيّة.
​فوادي القلط الذي يمتدّ من القدس إلى أريحا، يُعتبر مثالاً حيًّا على هذا التنوّع البيئي، والذي يمرّ عبر صحراء يهودا، ويضمّ مجموعة من النباتات والحيوانات التي تكيّفت مع الظروف القاسية. إنّ معرفة هذه التفاصيل تُعزّز من فهم الناس لأهميّة الحفاظ على هذه البيئة الطبيعية والتنوّع البيولوجي الذي تحتويه.


​وفي هذا السياق، نذكر أنّ معرفة الجيولوجيا والجغرافيا يساعد في فهم الطبيعة من منظور علمي، وتُعدّ معرفة الجيولوجيا والجغرافيا جزءًا أساسيًّا من معرفة البلاد. فالأرض التي نعيش عليها تشكّلت عبر ملايين السنين من التفاعلات الجيولوجيّة المُعقّدة. إنّ فهم هذه العمليات يساعد الأفراد على فهم طبيعة الأرض التي يعيشون عليها واستغلالها بشكل أفضل.
​فالبحر الميّت مثلاً، يُعدّ أخفض نقطة على سطح الأرض، ويُعتبر واحدةً من العجائب الجيولوجيّة. هذا البحر الغنيّ بالمعادن ليس فقط موقعًا طبيعيًّا فريدًا، بل هو أيضًا مكانًا يعكس تعقيدات العمليّات الجيولوجيّة التي شكّلت المنطقة. إنّ فهم هذه العمليّات يُعزّز من وعي الأفراد بأهميّة الحفاظ على هذا الموقع الفريد.


​أمّا بالنّسبة للسياسة والمجتمع، ففي بلادنا ترتبط معرفة البلاد بشكل وثيق بالوعي السياسي والاجتماعي. فالظّروف السياسيّة المُعقّدة التي تمرّ بها البلاد، تفرض على الأفراد فهمًا دقيقًا لتركيبة المجتمع والعلاقات الدوليّة المحيطة به. إنّ هذا الفهم يمنح الأفراد القوّة للمُساهمة بشكل فعّال في بناء مستقبل أفضل للبلاد.


​والسؤال المهمّ هو:
ما هو دور المؤسّسات في تعزيز معرفة البلاد؟

​المؤّسسات التعليميّة والثقافية هي مسؤولة بشكل خاصّ عن تعزيز معرفة الأفراد ببلادهم. إذ يجب على هذه المؤسّسات العمل على نشر المعرفة بكلّ جوانبها التاريخيّة والثقافيّة والبيئيّة والجيولوجيّة والسياسيّة. هذا يُسهم في بناء مجتمع واعٍ ومُتماسك وقادر على مواجهة التحدّيات.
​وفي الختام، إنّ معرفة البلاد هي ضرورة أساسيّة لتعزيز الانتماء وبناء مجتمع قويّ. بلادنا، بتنوّعها التاريخي والثقافي والديني والبيئي والجغرافي، تقدّم نموذجًا فريدًا لهذا النوع من المعرفة. والمؤسّسات التعليميّة والثقافيّة تقع على عاتقها مسؤوليّة كبيرة في نشر هذه المعرفة، وتعزيزها بين الأفراد. فهمنا لهذه الأرض، بما تحمله من تاريخ وثقافة وبيئة وسياسة ودين، يمنحنا القوّة والصمود لمواجهة التحدّيات وبناء مستقبل مُشرق.


المصادر
الخطيب، محمد. (2018). تاريخ فلسطين الثقافي. دار الشروق.
العباسي، ليلى. (20202). البيئة الفلسطينية: دراسة في التنوّع البيولوجي. جامعة النجاح الوطنية.
الصباغ، نور. (2019). جيولوجيا فلسطين وتاريخها الجيولوجي. دار النشر العربية.
جبارين، يوسف. (2021). السياسة في فلسطين: تاريخ ونظرة مستقبلية. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
مصالحة، مروان. (2022). اضطرابات التواصل في اللغة والكلام. دار فضاءات، عمان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]