تتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة الى حجم أكبر بكثير في المجتمع العربي. وباء الكورونا الذي اندلع عام 2020 والوضع الأمني والحرب الحالية من العام الماضي يؤدي اكثر واكثر إلا إلى تفاقم الفجوات القائمة بين المجتمع اليهودي والعربي في اسرائيل، والتي تتجلى في فقدان عشرات الآلاف أماكن عملهن وخروجهم إلى دائرة البطالة, بالإضافة لفقدان مصادر الدخل للمستقلين وأصحاب الأعمال، إضافة الى تضرر النسيج الاجتماعي نتيجة انخفاض الشعور بالأمان وفقدان الأمل في حياة مشتركة. هذا إلى جانب العديد من التحديات النظامية التي تعاني منها مؤسسات الدولة، بما في ذلك في المجتمع العربي: من تحديات أنظمة التعليم والصحة والحكم المحلي وخدمات الرعاية الاجتماعية. من المتوقع ان تؤدي هذه التحديات إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العربي، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في عامل الجريمة والعنف, بل هذا ما نشهده بالاعوام الأخيرة في مجتمعنا.

معاناة المجتمع العربي في إسرائيل في السنوات الأخيرة من ارتفاع معدلات الجريمة والجرائم الجنائية يتجلى بحوادث إطلاق النار والقتل على خلفيات جنائية هي الظواهر الأكثر شيوعا.

في هذا العام وحده، فقد أكثر من 120 شخصًا من المجتمع العربي حياتهم، ونحن في شهر يوليو فقط. وهذا الرقم يعني أن ما يقارب من 20 شخصًا يُقتلون شهريًا! ضعف ما كان عليه قبل 3 أو 4 سنوات.

ومن بين هذه القضايا لم يتم حل سوى 13 قضية حتى الآن، أي أقل من 15% فقط! وأغلب الضحايا من الشباب الذين فقدوا حياتهم بسبب صراعات العصابات الإجرامية وتجارة الأسلحة والمخدرات.

إنخفاض معدل القضايا التي تم حلها من هذه القضايا ليس الرقم الأكثر إثارة للقلق، ففي نهاية المطاف من المستحيل التجسير على عقود من الإهمال والتجاهل من قبل السلطات والتي تسببت في تدهور حالة المجتمع العربي خلال عام أو عامين، وليس من خلال المؤسسة وحدها او عن طريق مراكز الشرطة.

الواقع التي نعيشه هذه الأيام في مجتمعنا تعزز علامات الاستفهام التي كثيرا ما توجه إلى أجهزة القانون في الدولة، من قوات الشرطة الميدانية إلى الجهاز القضائي، خاصة حول دورها في منع انتشار الجريمة ووقف تزايد حالات العنف في المجتمع العربية. يضاف إلى ذلك إلغاء الميزانيات التي كانت مخصصة لمعالجة ظاهرة العنف وتطبيق القانون في المجتمع العربي. أحد الأمثلة من الماضي الغير بعيد هو قرار الوزير جلعاد إردان بإلغاء ميزانيات تبلغ حوالي 440 مليون شيكل في عام 2019 للقضاء على العنف في المجتمع العربي، وهذا حتى قبل المصادقة على قرار الحكومة رقم 549 وهي بدورها تواجه أيضًا العديد من التقليصات المتوقعة. ولا يزال من المستحيل وصف الفشل النظامي للمؤسسات المختلفة في معالجة هذه المشكلة بحجة تخفيض الميزانية، على الأقل ليس بهذه الحجة وحدها، لكن التفكير في حل مشكلة العنف والجريمة في المجتمع العربي يتطلب تسخير الجهود وبناء شراكات بين قطاعات المجتمع المختلفة والتي تبدأ من داخل المجتمع نفسه.

عدم الثقة في النظام:
إن البيانات المؤسفة التي تعرض كل يوم وفي مختلف المؤشرات والتقارير عن حالة العنف والجريمة في المجتمع العربي تؤكد شعور العجز واليأس لدى ابناء المجتمع العربي. وهذه أدت ليس فقط الى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الهائلة، والشعور بإهمال مؤسسات الدولة، وفشل الحكومة في التعامل مع ظاهرتي العنف والجريمة، وانما إلى فقدان الثقة في النظام وقدرته على معالجة أمور المجتمع العربي. هذا الشعور يدفع الكثير من الناس، وخاصة الشباب، إلى البحث عن طرق أخرى للحصول على مصدر دخلهم في السباق من أجل البقاء أو الشعور بالأمان المنشود، حتى لو كان ذلك يشمل التوجه الى جهات غير جديرة بالثقة وحتى الى عصابات الاجرام اعتقادا بانها بديل لمؤسسات القانون والشرطة. هذا وحده من المسببات الرئيسية لتفاقم ظاهرة العنف والجريمة والقتل على خلفية ما يسمى: "تصفية حسابات" او بكلمات أخرى سلطة قانون بديلة.

أهمية التعاون بين جميع الأطراف المعنية بحل المشكلة
وكما ذكرت سابقاً فإن حل هذه المشكلة المعقدة لن يكون في حل سحري ننتظره او يد خفية تقوم بالسيطرة على الموقف، بل يتطلب منهجاً متعدد الأنظمة يجمع بين العوامل الحكومية والمجتمعية والاجتماعية.

من بين الخطوات المقترحة لتعزيز حل متعدد الأنظمة لمكافحة العنف والجريمة:
تخصيص الموارد والميزانيات: زيادة الميزانيات المخصصة لمعالجة الجريمة والعنف في المجتمع العربي ينبغي ان يرتكز أولا على توجيه هذه الميزانيات ليس فقط نحو نشاطات الشرطة وتجنيد شرطيين أو بناء محطات جديدة، ولكن أيضًا لتعزيز أنظمة التعليم والخدمات الاجتماعية في البلدات العربية.

التعاون على الحراك الاجتماعي الاقتصادي لحل المشكلة: يعد التعاون الوثيق بين الجهات الحكومية والسلطات المحلية والقيادات العامة العربية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المجتمع العربي والمواطنين انفسهم تعاوناً أساسياً لصياغة برامج ملائمة ثقافياً لمنع العنف والجريمة وتعزيز الحراك الاجتماعي. وأود أن أؤكد أن الملائمة الثقافية هنا ليست فقط عن طريق اللغة، بل هي إشارة اولا إلى خصائص المجتمع العربي التي تسببت في تطور ظاهرة الجريمة في ظل كل العوائق والإخفاقات المتراكمة على مر السنين. اخذ هذه المميزات بعين الاعتبار سيكون ليس فقط عاملا بمكافحة الظاهرة وانما عاملا للحراك الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع العربي.

معالجة جذور المشكلة: إن التعامل مع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين المجتمع اليهودي والعربي يتضمن بطبيعة الحال إجراءات لتقليص الفجوات من خلال الاستثمار في التعليم والتوظيف والإسكان والبنية التحتية في المجتمعات العربية. يساعد هذا الاستثمار بشكل كبير في تقليل مشاعر الإحباط واليأس التي تؤدي إلى العنف والشعور بعدم الأمان لدى الفئات السكانية داخل المجتمع العربي حيث ان تغيير البيئة والحيز العام هو مركزي في تغيير الواقع وإلغاء مسببات توجه فئات معينة الى الاجرام (ظاهرة الشبيبة الغير مؤطرين كمثال مركزي).

إصلاح النظام القضائي: هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لتعزيز ثقة الجمهور في النظام القضائي، وذلك من خلال تبسيط إجراءات التحقيق والمحاكمة، وضمان المعاملة المتساوية لجميع المواطنين, وبلا شك أيضا تشديد العقوبات على المخالفين من ناحية أخرى.

متابعة علاج أنواع العنف الاخرى: على الرغم من الارتفاع الكبير في معدلات العنف والجريمة الإجرامية، إلا أنه من الضروري رفع الوعي حول مخالفات اخرى كظاهرة العنف الأسري او مخالفات ضد الأملاك وحتى مخالفات عنف بالحيز الرقمي في المجتمع العربي وإنشاء مراكز دعم وعيادات علاجية مخصصة، وذلك انطلاقاً من افتراض أن العديد من حالات الشباب ينجم انحدار الأشخاص إلى الجريمة عن عدم قدرة النظام على علاج الضحايا الثانويين للعنف المنزلي.

التربية من أجل السلام والتعايش: خاصة بالأوضاع الحالية, فيها تتفاقم ظاهرة العنف من جهة واحدة وواقع الحرب من الجهة الأخرى, من المهم دمج البرامج التعليمية في المدارس وفي الحيز اللا منهجي، والتي بدورها تعزز التسامح وقبول الآخر وتعمل على حل النزاعات بطرق غير عنيفة - خاصة من خلال البرامج التي تربط المدارس العربية واليهودية معًا، و تطوير البرامج ثنائية اللغة واللامنهجية لجميع الأعمار.

حل المشكلة هو تحدٍ مشترك يتطلب اتباع نهج صبور وشامل
إن التعامل مع ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع العربي مهمة معقدة تتطلب وقتا وجهدا مشتركا ومنهجا صبورا. لا ينبغي توقع حلول سحرية أو حلول سريعة، ومن المهم اتباع نهج ثابت يأخذ في الاعتبار العوامل الثقافية والاجتماعية التي ينفرد بها المجتمع العربي.
إن النجاح في هذا النضال لن يؤدي فقط إلى تغيير إيجابي كبير في حياة الكثيرين في المجتمع العربي، بل سيعزز أيضًا المجتمع الإسرائيلي ككل ويساهم في تعزيز التعايش الحقيقي بين اليهود والعرب. هذا لأننا لن نتمكن من ضمان مستقبل أكثر أمانا ومساواة للجميع إلا من خلال التعاون المكثف والتخصيص المناسب للموارد والرؤية الطويلة الأجل.

العمل على ردع الجريمة والتقليص من ظاهرة العنف في المجتمع العربي سيؤدي إلى تغيير إيجابي كبير في حياة الكثيرين وسيساهم بشكل كبير في المجتمع الإسرائيلي ككل في شتى مجالات الحياة: التعليم, الصحة, الانتماء, التطور الاقتصادي وحتى في الحيز الرقمي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]