مع كلّ المسيرات، الإضرابات، الاعتصامات والتّظاهرات ضد القتل، والعنف وجمع الإتاوات في المجتمع العربي؛ يجدر السؤال: هل هذه الأصوات المتعالية المندّدة للجرائم ومقترفيها تصلُ للمجرمين أنفسهم؟ هل تصلهم الرّسالة المناهضة لسفك الدّماء؟ هل يقرأون ما تتّم كتابته عن الموضوع؟ هل يتابعون نشرات الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة؟
المجرمون لا يأتون إلى حشود المتظاهرين ولا ينضمّون إليهم، فهم مندسّون في عوالم سريّة وسراديب مخفيّة عن الأنظار، بذورهم موجودة ليلًا في أفنية المدارس وزوايا المرافق العامّة، لذا؛ وَجَبَ علينا الورود لساحاتها للصّلاة والتّظاهر والدّعاء ضد القَتَلَة المعتدين على الأنفس ضربًا وتنكيلًا تارةً وقتلًا وإعدامًا تارةً أخرى، فلنجعل الأصوات تصمّ أذانهم، فَهُم مختبئون هناك، ويدفنون أسلحتهم على مقربة من المدارس وداخل المقابر، يتكاثرون سرًّا في عمق اللّيالي، يسيرون بين الأزقّة وفي أطراف القرى والمدن يحيكون المكائد ويعيثون فسادا في الأرض، فلنذهب إليهم لتصدح حناجرنا في قلوبهم الصّماء علّها تعي قُبح ما يفعلون.
ثمّة مُستهجِنٍ لِكُلِّ هذا قائلًا: هذا دور الشّرطة لإيقافهم عند حدّودهم! لكني أتاءل: الشّرطة!!! ماذا تصنع؟!! ربما آن الأوان فلنصنع شرطةً لنا منّا، شرطة خاصّة بنا تتناوب في الحارات والأحياء في البلدات العربيّة، بها يتم تعزيز أمان المجتمع. يجب السعي لتحسين أداء الشرطة المحلية وتعزيز التواجد الأمني في المناطق المهملة والمشبوهة.
الظلام، مرتع الإجرام
ولتسلِّط الضّوء على عتمة اللّيل لتُفتحَ عيون النّيام غير المدركين أنّ الطّغيان والإجرام لا يفرّق بَيْنَ هذا مَنْ واَبْنُ مَنْ! كُلّنا نقبع في دائرة الخطر، ولا نقول: أولادُنا في البيت إذن نحن في سلام آمنين، هيهات هيهات...هذا وَهْمٌ! ولا بدّ لرصاصٍ من اختراق سكون اللّيل أو وَجْهَ الفَجْرِ مرةً ومرةً إذا لم نقف وقفة الإنسان الواحد، بكلِّ ما أوتينا من قوّةٍ نقولُ: لا! في وجه فيروسات الإجرام المنْسَلّة المندسّة بيننا.
يتزايد تأثير الظلام في المجتمع العربي، حيث لا يُستَغل للتخطيط وتنفيذ الجرائم بشكل أكثر فعالية وحسب؛ بل ويشكل المساحة الواسعة والعريضة للترفيه عن أعضاء عصابات الإجرام الّذي يُسمّى الواحد منهم "جنديّا" فتكون حفلات الشّواء يدعمها مطربوهم وديماغوجيا اللّحن والكلمة الّتي تدعو للقتل بإطلاق المزيد من الرّصاص، الثّمالة، الفلتان والعدوان، تدعو للشّر والشّيطان، ويصحبُ الغناء البعيد عن الفنّ رقص النّساء اللّواتي اُخْتِرْنَ بعناية بشكلٍ يتناسب مع الأجواء المُغيّبة للعقلِ والتّفكير السّويّ وطمس الضّمير، ناهيك عن أنواع المخدرات الّتي تُذهب الوعي والإدراك.
يتمثل أحد أسباب تفاقم الإجرام في التفرغّ اللّيليّ، حيث يوفّر الظلام غطاءً للجرائم ويسهّل التّخطيط السريّ. تستغل العصابات هذه الفرص لتنظيم أنشطتها الإجراميّة، سواء كانت سرقات أو هجمات على الأفراد، الممتلكات من السيارات، البيوت والحوانيت.
ألا يُستدل من كل هذا أن إنارة الشوارع والأزقة والأحياء بات ضرورة لحفظ الأمن والسلام في بلداتنا؟ وتركيب كاميرات المراقبة في الطّرقات والأماكن العامّة؟
شرطة أبناء البلدة
يتوجّبُ على القادة في كل البلدات طرح حُلولٍ واقعيّة ممكنة لمواجهة مشكلة الإجرام في البلدات العربية. يجب أن تكون هذه الحلول شاملة، تشمل جوانب اجتماعية واقتصادية وتعليميّة، أوّلُ هذه الحلول المقترحة هو تشكيل جسم شرطيّ من أهل البلد الشّرفاء يتناوبون فيما بينهم لحراسة السّكان، ويتعقّبون بؤر الإجرام في اللّيل الدّامس حتّى الفجر. وكذلك تحسين البنية التحتية وتوفير خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم والإسكان وكل ما يمكن أن يسهم في تحسين ظروف المعيشة.
اضافة الى ذلك يجب توفير فرص العمل للشباب من خلال الاستثمار في إنشاء مشاريع اقتصادية صغيرة وتوفير تدريب مهني لتحسين فرص العمل، لان قهو الشبابا وانعدام الافق هو احد اهم اسباب انجرارهم وراء عصابات الاجرام.
يضاف الى السابقين تحسين نوعية التعليم وتوفير برامج تعليمية لا منهجية تهدف إلى تعزيز المهارات والفهم الاجتماعي.
كل هذا قابل للتحقيق عند وجود رغبة حقيقيّة في التفاهم والتواصل من قِبَل قادة المجتمع المحلي الذين يتوجب عليهم مطالبة الحكومة تصميم وتنفيذ سياسات تلبي احتياجات السكان المحليين. وكذلك المشاركة الفعّالة للمجتمع في عمليات اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات.
وعلى مستوى بلداتنا ومسؤوليتنا فيجب . إطلاق حملات توعية تستهدف الشباب والأسر لتسليط الضوء على مخاطر الجريمة وعواقبها، إضافة إلا تشجيع العمل الدراميّ وفن المسرح وصناعة الأفلام القصيرة والسّينما المحليّة. وتعزيز الوعي بقيم الدّين والمجتمع وتشجيع على المشاركة الإيجابية في الحياة الاجتماعية.
إن مكافحة الفقر وتحسين ظروف المعيشة وتقديم دعم اقتصادي للعائلات المحتاجة يمكن أن يقلل من الضغوط الاقتصادية التي قد تسهم في ارتكاب الجرائم من ناحية؛ أو اللّجوء إلى عصابات الإجرام للاقتراض منهم، الأمر الّذي يورّطهم ويودي بهم للتهلكة.
تحقيق تقدم في هذه المجالات يتطلب تعاوناً فعّالاً بين الحكومة والمجتمع العربي، بالإضافة إلى الإصغاء إلى أصوات النّاس لفهم احتياجاتهم وتحدياتهم بشكل أفضل.
إن الإبداع في صناعة الحياة يجب أن يفوقَ صناعة الموت بالإجرام، فلا بدّ لنا نحن الواعون والعقلاء من السّلوك بجديّة لتغيير واقع أليم، الذي إن سكتنا عنه، ستأتي أدوارنا من خلال أولادنا وأحفادنا شئنا أم أبَيْنا.
المقالات المنشور تأتي كجزء من مشروع الصحافة الجندرية، المدار من قبل إعلام وبولتكلي كوريت، بدعم من السفارة البريطانية، المقالات تعبر عن موقف اصحابها وليس بالضرورة آراء الجهات الداعمة والمبادرة للمشروع.
[email protected]
أضف تعليق