يأتي علينا عيد الام هذا العام، بشكل مختلف عن أي مرة سابقة، ورغم أنه لم يات سابقًا بظروف وردية، إلا أنه هذا العام يأتي وسماء هذه البلاد مليئة بآهات الأمهات من فقدان الزوج أو الابن استشهادا أو اعتقالا، يأتي وآلاف الأطفال في غزة لن يجدوا أمهاتهمم ليقدموا لهن هدايا العيد هذا العام، وآلاف الأمهات لن تجد أبنائها وبناتها، وآلاف الأمهات مع أطفالهن، ليسوا هنا فحسب.
في غزة ارتقت آلاف الأمهات شهيدات تحت أنقاض بيوتهن التي حولتها الصواريخ والدبابات الإسرائيلية إلى ركام، وأُخريات فقدن الزوج والأبناء والأخ .
منذ إعلان الحرب على قطاع غزة وحتى اليوم استشهدت نحو 9 آلاف امرأة، وأُصيبت نحو 25 ألفا، وهذه الأرقام الرسمية فحسب، حيث تقول التقارير أن الأرقام الحقيقة تبلغ أكثر من الضعفين,
ففي غزة، توثق البيانات إعدامات ميدانية لنساء حوامل كن يرفعن الرايات البيضاء وهنّ في طريقهنّ إلى مستشفى العودة، وفي غزة تواجه الأمهات تحديات تفوق الخيال في الحصول على الرعاية الطبية الكافية والتغذية والحماية قبل وأثناء وبعد الولادة، فهنالك 60 ألف حامل يعانين سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة بحسب أرقام رسمية.
في فلسطين ما تزال معاناة الأمهات من فقدان الزوج والأبناء سواء بالاستشهاد أو الأسر، وصور الأحياء الغائبين أصحاب الحق والقضية تملأ البيوت، ويصبرن رغم محاولات الاحتلال كسر صمودهن لكن في مشهد الأم الغزية هناك جانب آخر يبعث على الفخر والانبهار ونحن نرى الأمهات هناك يسطرن كل يوم أصعب قصص الصمود ومعاني الحياة، ففي قمة الألم يجدن الأمل، وتستمد القوة من نبض قلوبهن.
الأم في غزة ليست ككل الأمهات، فهي تعيش آلاماً وأوجاعاً لا تحتمل ولا يمكن لعقل أن يتخيلها، تختبر أبشع أنواع القهر والفقدان، فأمام عينيها يستشهد أبناؤها وتلملم أشلاءهم وتبتر أطرافهم، ومع ذلك تقاوم الموت بالولادة، وتضحي بروحها لتبقى أرضها ويسلم أبناؤها.
يأتي عيد الأم هذا العام، أو يوم الأم كما يحب البعض أن يسميه، ونحن، كلنا، تعترينا حالة خجل لم نعرف مثلها من قبل. يأتي عيد الأم هذا العام، أو يوم الأم كما يحب البعض أن نسميه، ونحن، كلنا، نقول لأمهات غزة، آسفون، وليس هذا اليوم فحسب، بل كل أيام السنة، لو خصصن لكنَّ، لما أوفت واحدة منكن، واحدة فقط، حقها.
ورغم أني بت لا أطيق سماع عبارات مثل "الصمود" عندما نتحدث عن غزة، فلا أسخف من تفاخر شخص يعيش بأمان "نسبيًا" بصمود اشخاص يعيشون تحت القصف وتحت ويلات الحرب، رغم ذلك، إلا أن التاريخ علمنا أن الشعوب تقوم حتى بعد ويلات الحرب، مهما طالت ومهما بلغت وحشيتها، وكلي يقين بأن هذه الحرب ستنتهي، وأن لأمهات غزة الاسطوريات، سيكون الدور الأبرز في اعادة البناء وفي التعافي، فلا تتعافى المجتمعات بدون نسائها. كطائر العنقاء ستقوم غزة من تحت الركام وستعود البسمة الى وجوه امهاتها، ولو بعد حين.
[email protected]
أضف تعليق