بينما تتصاعد المجازر في قطاع غزة، ويصل عدد الشّهداء إلى حواليّ 28 ألفًا والجرحى أكثر من 70 ألفًا، وتستعدّ القوّات الإسرائيليّة لاقتِحام مدينة رفح والبدء في عمليّة تهجير أبنائها، والنّازحين إليها، بالقوّة إلى سيناء المِصريّة، تقوم قوّات الأمن “الفِلسطينيّة” التّابعة للسّلطة بحِماية ظهر دولة الاحتلال في الضفّة الغربيّة، واعتِقال المُقاومين، لمنْع أيّ هجمات، تحقيقًا للاستِقرار والأمن الإسرائيلي بالقُوّة، وكأنّها سُلطة تُمثّل شعبًا في السويد أو فنلندا وليس الشّعب الفِلسطيني.
حتى لا نغرق في التّعميم، نستند فيما تقدّم إلى بيانٍ صدر أمس عن كتائب “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، اتّهمت فيه قوّات أمن السّلطة باعتقال مُجاهدين تابعين لكتيبة جنين، واستولت على أسلحتهم، وفكّكت 3 عُبوات ناسفة كانوا بصدد زرعها لاصطياد عربات مُدرّعة لقوّات الاحتلال.
***
هذه الخطوة الخيانيّة من قِبَل قوّات أمن السّلطة تأتي لتفضح قيادة السّلطة في رام الله التي أعلنت أنها علّقت التعاون الأمني مع دولة الاحتِلال كُلّيًّا احتجاجًا على الغدر الإسرائيلي للقطاع وحرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي يُنفّذها جيشها في حقّ سُكّانه.
سُلطة العار، بمِثل هذه الأعمال، تلعق أحذية بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي وجِنرالاته، على أمل أن يرفعوا الخطر عن أموالها المُجمّدة، وتسليم مقاليد الحُكم إليها في مرحلةِ ما بعد القضاء على حُكومة المُقاومة في القِطاع، فكُلّ ما يهم هذه السّلطة ورِجالها هو المال، والمال فقط، ولتذهب فِلسطين وشعبها إلى الجحيم.
هذه السّلطة عادت إلى رام الله في إطار صفقة أوسلو الخِيانيّة للقيام بدورٍ أمنيٍّ رئيسي عُنوانه الأبرز حِماية الاستيطان والتجسّس على رجال المُقاومة، وتسليم، أو قتل، أيّ مُواطن فِلسطيني شريف يُفكّر، مُجرّد التّفكير، في مُقاومة الاحتلال.
ما يهم السّلطة وقيادتها هو البقاء أوّلًا، والحُصول على المال المُفترض أنه عائدٌ إليها من الجمارك على الواردات أو الصّادرات الفِلسطينيّة، أي أن هذا المال ليس من الخزانة الإسرائيليّة، ممّا يعني أن جميع هذه الخدمات التي تُقدّمها السّلطة للاحتلال “مجّانيّة”.
أكثر من مرّة هدّد الرئيس محمود عباس ومن على منبر الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، أو في خطاباته أمام المجلسين الوطني، والثوري لحركة “فتح”، أنه سيحلّ السّلطة ويُسلّم مفاتيحها لنتنياهو، ولكنّه كان يُمارس الخِداع، والتّضليل، والكذب، فإذا كانت كُل هذه المجازر التي تُرتكب أمام عينيه في قطاع غزة، لا تدفعه إلى فكّ الشّراكة المسمومة مع دولة الاحتلال، وحلّ السّلطة، وتحميل نتنياهو وحُكومته المسؤوليّة أمام العالمِ بأسْره.. فماذا ينتظر؟
الرئيس الراحل ياسر عرفات أدرك جيّدًا ومُتأخِّرًا أنه ارتكب خطيئةً كُبرى بتوقيعه اتّفاقات أوسلو، ووقَع في مِصيَدة الخِداع الإسرائيليّة الأمريكيّة المُشتركة والمُعدّة بإحكام، وعاد من اجتماع كامب ديفيد الذي رعاه بيل كلينتون عام 2000، وشارك فيه أيضًا إيهود باراك مُمثّلًا للجانب الإسرائيلي، وهو على قناعةٍ تامّة بأنّ الإسرائيليين لن يُعطوه دولة، والأكثر من ذلك سيُهوّدون القدس المُحتلّة، وأنقذ ما تبقّى من سُمعته وكرامته بإشعال فتيل الانتِفاضة المُسلّحة، واختار الشّهادة لمَحوِ عارِ أوسلو.
لا نعتقد أن الرئيس عباس الذي قال أكثر من مرّة إنه لن يموت خائنًا، سيُقدم على مِثل هذه الخطوة لمسح خطاياه، فقد أُتيحت له أكثر من فُرصةٍ للتّكفير عنها، ولكنّه اختار التمسّك بأوسلو، والتّنسيق الأمني “المُقدّس”، وحِماية المُستوطنين القتلة، والوقوف في خندق المُحتل ضدّ شعبه ومُقاومته.
كتائب المُقاومة في الضفّة الغربيّة ورِجالها الذي يُزلزلون الأرض تحت أقدام الاحتلال، ويُقدّمون الشّهداء يوميًّا في هجماتهم ضدّ دولة الاحتلال وقوّاتها في مُعظم المُدُن والقُرى مُساندةً لأهلهم في القطاع، سيُصنّفون السّلطة، وقوّات أمنها، في القائمة نفسها التي يضعون فيها دولة الاحتلال، ويُوجّهون البنادق إليها، ولا نستبعد أن يكون هذا التحوّل قد باتَ وشيكًا جدًّا.
***
تسونامي السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر)، أو “طُوفان الأقصى” الذي هزّ الكيان الصّهيوني والحق هزيمة هي الأكبر بجيشه وقوّاته العسكريّة والاستخباريّة مُنذ قيامه، هو البِداية، وسيتكرّر حتمًا، وقريبًا، في الضفّة الغربيّة أرض المُواجهة الحقيقيّة، وستكون سُلطة رام الله أوّل الأهداف وأهمّها.. والأيّام بيننا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]