كتب عبد الباري عطوان :
معركة شرق المغازي التي خاضتها كتائب “القسام” قبل يومين وأدت الى مقتل 24 ضابطا وجنديا إسرائيليا وإصابة العشرات، ستدخل التاريخ الحربي من أوسع ابوابه لسببين رئيسيين:
الأول: التخطيط والاعداد والتنفيذ غير المسبوق في تاريخ حرب العصابات، والكشف عن تفوق قوات المقاومة بمراحل عن العدو في هذا المجال، وخاصة في ميدان الرصد الاستخباري.
الثاني: ضبط العدو متلبسا بتهمة ارتكاب جرائم حرب إبادة، ستستخدم ضده في المحاكم الدولية، فالضباط والجنود الإسرائيليون كانوا ينصبون فخا للمدنيين أصحاب عمارتين لتفجيرهما بعد عودتهم الوشيكة اليها، فوقعوا في المصيدة عندما بادر رجال “القسام” على تفجيرهم اثناء وجودهم فيها باستخدام قذائف ذكية مصنعة محليا.
***
لم يكن من قبيل الصدفة ان يعلن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المهزوم بدء المرحلة الثالثة من العدوان على القطاع بعد هذه الهزيمة الفاجعة لقواته في ميدان القتال، لأن معركة المغازي فضحت نقاط ضعف وحداته القتالية الخاصة، وعززت حالة الهروب في أوساط جنودها وضباطها من الخدمة في القطاع.
لو تأملنا في تفاصيل هذه المرحلة حسب اعلان نتنياهو المقتضب، نجد انها جاءت اعترافا صريحا بالهزيمة، وفشل الهجوم البري على القطاع في تحقيق جميع أهدافه، وانعدام فرص نجاحه المستقبلية للأسباب التالية:
أولا: تخفيض سريع لعدد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، وإنهاء كل المواجهات البرية تقريبا تقليصا للخسائر المتصاعدة في صفوفها.
ثانيا: تسريح أكثر من 250 ألف جندي من قوات الاحتياط لرفض نسبة كبيرة من جنودها للقتال في غزة، وربما نقل اعداد كبيرة منهم الى الضفة الغربية حيث المعركة التي ربما تأتي أكثر خطورة واستنزافا كونها الأكبر والأكثر تداخلا.
ثالثا: الانتقال الى الغارات الجوية المستهدفة، والعمليات الخاصة، وإنشاء ما يشبه السلطة الأمنية البديلة في القطاع، وهي أضغاث أحلام.
ما طرحه نتنياهو المهزوم المرعوب هو قمة التضليل للرأي العام الإسرائيلي المرعوب ايضا، ومحاولة مكشوفة للهروب من الاعتراف بالهزيمة، وتبرير سحب القوات بعد 110 أيام من بدء الحرب التي جاءت نتائجها كارثية على دولة احتلال لم تتعود على الهزائم الكبرى على الأرض الفلسطينية.
كيف سيؤسس نتنياهو سلطة أمنية بديلة في القطاع، وقواته منسحبة، وغير موجودة، ومسيطرة على الأرض، وما الذي يمكن ان تنجح فيه الضربات الجوية حيث فشلت الحرب البرية التي كان التعويل كاملا عليها لهزيمة حركة “حماس” الحاكمة وازالتها من الوجود؟ فالغارات الجوية ربما تقتل أطفالا ونساء، ولكنها لا يمكن ان تسقط حكومة مقاومة في غزة.
نقطة التحول الرئيسية في هذه الحرب التي فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في رصدها رغم أجهزتها المتقدمة، وشبكة جواسيسها وخبرائها، تتمثل في هوية قيادة المقاومة ونوعيتها، وصلابتها، وقدراتها العالية على الاستعداد للمعركة أولا، وإجادتها للتكتم، وحفظ السر، وإختيار الوقت المناسب للتنفيذ المفاجئ للهجوم والإستعداد المدروس لمواجهة التبعات المترتبة عليه، وتصنيع، وتطوير، أسلحة دفاعية وهجومية غيرت كل قواعد الاشتباك.
أحد الأسرار الكبرى التي فاجأت القوات الإسرائيلية وجنرالاتها، الأسلحة الحديثة المتطورة الخاصة بالتصدي للدبابات والدروع، ونحن نتحدث هنا عن قذائف “ار. بي. جيه” الروسية القديمة التي نجحت مصانع قوات “القسام” في تطويرها، وزيادة فاعليتها، وقدراتها الاختراقية للدبابات والمدرعات حسب ما جاء في أحدث الدراسات العسكرية في الغرب، فدبابات “الميركافا” والنسخة المطورة منها لم تصمد مطلقا امام قذائف “ياسين 105” التي تفوقت على النسخة الاصلية من قذائف “ار. بي. جيه” وربما صواريخ “الكورنيت” أيضا.
نتنياهو لن يبقى في السلطة لستة شهور أخرى، والشيء نفسه يقال عن استمرار حرب غزة طوال هذه الفترة، ولن تكون حظوظ جيشه وقواته منها أفضل من حظوظ الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الحرب، فمن فشل في تحقيق أي من أهدافه المطروحة لهذه الحرب، وخاصة تدمير حركة “حماس” وإعادة الاسرى، لن ينجح في هذه المرحلة القادمة الأطول، خاصة بعد سحب قواته او معظمها، فالحرب البرية هي التي تحدد النتائج النهائية للحروب نجاحا او فشلا.
أمر مضحك، ان يتقدم نتنياهو، او رئيس موساده، بمبادرات لوقف القتال في غزة مشروطة بخروج آمن للقادة الميدانيين في حركة “حماس” بزعامة المجاهد يحيى السنوار ومساعديه الجنرالات الثلاثة محمد الضيف (قائد القسام)، ومروان عيسى، ومحمد السنوار، فمن قال ان هؤلاء يريدون مغادرة القطاع أصلا، وهم الذين عقدوا العزم على نيل الشهادة والدفن في ارضه الزكية الطاهرة، ولهذا لم تحظ مثل هذه العروض الا بالإحتقار والإهمال.
***
نتنياهو وجنرالاته هُزموا في قطاع غزة، وسيهزمون في المعارك القادمة الأكبر، ونحن نتحدث هنا عن الضفة الغربية، المقتل الحقيقي لدولة الاحتلال، وجبهة شمال فلسطين المحتلة وجنوب لبنان اللتين لا تقلان أهمية عن غزة.
كنا نود التعليق على افيخاي الياهو وزير التراث الإسرائيلي الذي كرر تهديداته بقصف القطاع بقنبلة نووية، ولكننا وجدنا انه من التفاهة بحيث لا يستحق التعليق، رغم انه قدم دليلا قويا لمحكمة العدل الدولية والعالم حول نواياهم النازية في التعاطي مع الأبرياء والعزل، واحتكارهم الزائف للمظلومية والاضطهاد وابتزاز العالم بهما.
اما جو بايدن التابع الأكبر لنتنياهو فقد إنفتحت عليه أعشاش الدبابير السامة جدا في اليمن والبحر الأحمر، والعراق، ومثلما كانت فيتنام هي بداية النهاية للنفوذ والوجود الأمريكي في جنوب شرق آسيا، ثم في وسطها (أفغانستان)، فإن اليمن والعراق قد تكونان مقبرة هذا النفوذ والوجود في الشرق الأوسط.
[email protected]
أضف تعليق