كتب : عبد الباري عطوان
حركة “أنصار الله” اليمنيّة باعتِراضها سُفنًا إسرائيليّة وفُرقاطات بحريّة أمريكيّة وفرنسيّة، لم “تُحرِج” بهذه المواقف الشّجاعة مُعظم الحُكومات والجُيوش العربيّة التي التزمت الصّمت المُتواطِئ مع العُدوان على قِطاع غزة فقط، وإنّما قد تُسَرّع بهزيمةِ هذا العُدوان وتضع حدًّا له، ولمنعه تدفّق المُساعدات الإنسانيّة على القِطاع في تحدٍّ بُطوليٍّ للحِصار الإسرائيليّ الأمريكيّ المُشترك.
حركة “أنصار الله” وحُكومتها في صنعاء، كانت الأكثر صلابةً في دعمها للمُقاومة في القِطاع وتصدّيها لحرب الإبادة والتّطهير العِرقي الإسرائيلي الأمريكي الخانِق على مليونيّ فِلسطيني، بفرض حصارٍ بحريٍّ عسكريٍّ وتجاريٍّ على دولة الاحتِلال، وكُلّ الدول الغربيّة الدّاعمة لها، وعلى رأسِها الولايات المتحدة الأمريكيّة بإغلاقها “عمليًّا” باب المندب، وكُل البحر الأحمر وبحر العرب، ليس في وجْه سُفُن الاحتِلال فقط، وإنّما كُل السّفن الأخرى التي تحمل شُحنات تجاريّة إلى موانئه، بغضّ النّظر عن جنسيّتها وهُويّة مُلّاكها.
هذه هي الدّوافع الحقيقيّة التي دفعت أمريكا لاستِخدام “الفيتو” لمنْع وقف إطلاق النّار في غزة.. ولهذه الأسباب يَفرُكُ السنوار ورجاله أياديهم فرحًا في نفقهم “الملكي” في مكانٍ ما مِن فِلسطين.. وكيف صَنّف القِطاع ومُقاومته أمريكا رسميًّا دولةً إرهابيّة؟
إذا أردنا أن نعرف الأسباب الحقيقيّة التي تقف خلف استِخدام أمريكا حقّ النّقض (الفيتو) لعرقلة مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي تقدّمت به دولة الإمارات وبدَعمٍ من السيّد أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة يُطالب بوقفٍ فوريٍّ لإطلاقِ النّار في قِطاع غزة، فإنّ علينا أن نقرأ التّقرير “النّادر” الذي نشرته اليوم السبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيليّة عن ضخامةِ الهزيمة التي حلّت بالجيش الإسرائيلي وقِيادته بعد شهرين من المجازر وحرب الإبادة والتّطهير العرقيّ التي مارسها ضدّ المدنيين العُزّل في قِطاع غزة وأطفالهم.
يبدو أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يعيش هذه الأيّام حالةً من الهذيان تتطلّب زيارته لأقرب طبيب نفسي بعد انهِيار معنويّاته، وتعاظم خسائر جيشه الماديّة والبشريّة، بسبب الحرب في قِطاع غزة وصُمود المُجاهدين المُدافعين عن القِطاع لأكثر من شهرين، رُغمَ الفارق الكبير في موازين القِوى العسكريّة.
أحدث التّصريحات التي تُؤكّد ما قلناه آنفا، وأدلى بها نتنياهو اليوم الخميس، تِلك التي قال فيها إنّ السّلطة الفِلسطينيّة في رام الله لن يسمح لها لتولّي السّلطة في قِطاع غزة طالما هو رئيس للوزراء “لأنّ كُل مَن يُعلّم أطفاله على الإرهاب، ويُمَوّل الإرهاب، ويدعم عائلات الإرهابيين لن يتمكّن من السّيطرة على غزة بعد القضاء على حماس”، وليتَ عبّاسا ومُساعديه القُدامى والجُدُد يقرأون هذه الإهانة، ويردّون على هذه الصّفعة المُهينة لهم التي جاءت بعد 30 عامًا من المُفاوضات، وتشجيع العرب على التّطبيع، وتسخير التّنسيق الأمني لحِماية المُستوطنين ومُستوطناتهم.
كان الخِطاب الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في القمّة الخليجيّة الـ44 التي انعقدت في الدوحة اليوم وحضرها كضيف شرف، هو الإنجاز الأهم وفي هذا التّوقيت بالنّظر إلى الرّسائل التي تضمّنها على أكثرِ من جهة، سواءً تلك المُتعلّقة بالحرب في قِطاع غزة، أو بالأزمة السوريّة.
هذا الخِطاب ذكّر الكثيرين، ونحنُ من بينهم، بالعصر الذهبي للرئيس أردوغان، وإنجازاته، ومواقفه السياسيّة التي جعلته الزّعيم الأكثر شعبيّة في العالمين العربي والإسلامي، ونحن نتحدّث هُنا عن المرحلة التي سبقت التورّط التركي في المِصيَدة الأمريكيّة التي جرى إعدادها “بذكاءٍ” للأسف لتفتيت سورية، واستِنزاف الدولة التركيّة اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وتقويض زعامة أردوغان وإنجازاته في الوقتِ نفسه.
كان موقف قِيادة حركة “حماس”، وتحديدًا السيّد يحيى السنوار قائدها في قطاع غزة من مسألة المُفاوضات لتمديد الهُدَن والإفراج عن الأسرى حاسمًا، يعكس الثقة بالنفس، والاستِعداد لجميع الاحتِمالات، بِما في ذلك إطالة أمَدِ الحرب.
قِيادة حركة “حماس” في قطاع غزة خدعت نِتنياهو وحُكومته وجِنرالاته عندما جرّتهم جميعًا إلى مائدة المُفاوضات في الدوحة مُستغلّةً نُقطة ضعفهم تُجاه الأسرى المدنيين بسبب الضّغوط والمُظاهرات من قبل أهاليهم والمُتضامنين معهم، لثلاثة أسباب:
الأوّل: المُفاوضات غير المُباشرة حول الأسرى، كانت بين حركة حماس ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، وبرعايةّ أمريكيّة، وهذا يعني اعتِراف الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بحركة “حماس” كطَرفٍ رئيسيٍّ، وقوّةٍ عسكريّةٍ سياسيّةٍ إداريّةٍ حاكمةٍ للقِطاع، ممّا ينفي كُل الأقوال الأمريكيّة بانهِيارِ سُلطتها، وخُروج القِطاع عن سيطرتها، والبَدء فِعليًّا بالبحث عن البدائل، وسُقوط كُل تشبيهاتها بداعش أو “القاعدة”.
[email protected]
أضف تعليق