يبدو أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يعيش هذه الأيّام حالةً من الهذيان تتطلّب زيارته لأقرب طبيب نفسي بعد انهِيار معنويّاته، وتعاظم خسائر جيشه الماديّة والبشريّة، بسبب الحرب في قِطاع غزة وصُمود المُجاهدين المُدافعين عن القِطاع لأكثر من شهرين، رُغمَ الفارق الكبير في موازين القِوى العسكريّة.
أحدث التّصريحات التي تُؤكّد ما قلناه آنفا، وأدلى بها نتنياهو اليوم الخميس، تِلك التي قال فيها إنّ السّلطة الفِلسطينيّة في رام الله لن يسمح لها لتولّي السّلطة في قِطاع غزة طالما هو رئيس للوزراء “لأنّ كُل مَن يُعلّم أطفاله على الإرهاب، ويُمَوّل الإرهاب، ويدعم عائلات الإرهابيين لن يتمكّن من السّيطرة على غزة بعد القضاء على حماس”، وليتَ عبّاسا ومُساعديه القُدامى والجُدُد يقرأون هذه الإهانة، ويردّون على هذه الصّفعة المُهينة لهم التي جاءت بعد 30 عامًا من المُفاوضات، وتشجيع العرب على التّطبيع، وتسخير التّنسيق الأمني لحِماية المُستوطنين ومُستوطناتهم.
***
ردّنا على نتنياهو وتصريحاته هذه يُمكن أن يأتي في إطار الحقائق الرئيسيّة التالية:
أوّلًا: حركات المُقاومة في قِطاع غزة بزعامة “حماس” لم تُهزَم، وما زالت تُقاتل الجيش الإسرائيلي بشراسةٍ وتُلحِق به خسائر كبيرة، أبرزها تدمير 135 مُدرّعة ودبّابة ومن فيها في أقل من 72 ساعة، اعترف الجِنرال يواف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي في مُؤتمر صحافي عقده اليوم مع غانتس ونتنياهو أنها كانت باهظةً جدًّا.
ثانيًا: الرئيس محمود عباس بات مكروهًا جدًّا من الغالبيّة السّاحقة من أبناء الشّعب الفِلسطيني، لأنّه تحوّل إلى أداةٍ من أدواتِ دولةِ الاحتِلال الإسرائيلي، وفضّل الوقوف موقف المُتفرّج إزاء حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في القِطاع، وسهّل من خلف السّتار اقتِحامات الجيش الإسرائيلي لمُدن وقُرى ومخيّمات الضفّة الغربيّة، وخاصَّةً جنين، ونابلس، وطولكرم، والخليل، ولم تُطلق قوّات أمنه (60 ألف عُنصر) رصاصةً واحدةً دِفاعًا عن شعبها.
ثالثا: محمود عباس لم ينجح في حُكم الضفّة الغربيّة، واتّسم حُكمه بالقمع والفساد، ولذلك لن يكون مُرحَّبًا به وقوّاته ونهجه في القِطاع.
رابعًا: صحيح أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن يُؤيّد تولّي سُلطة عبّاس الحُكم والقِيادة في غزة، وقال في مقالٍ نشره في صحيفة “الواشنطن بوست” قبل أسابيع قليلة “يجب إعادة توحيد غزة والضفّة في ظِلّ هيكلِ حُكمٍ واحِد، وسُلطة فِلسطينيّة مُتجدّدة، وُصولًا إلى حلّ الدّولتين”، وصحيح أيضًا أنّ فريقًا عسكريًّا بريطانيًّا يُجهّز السّلطة “فنيًّا” لإدارة قِطاع غزة، حسب ما جاء في صحيفة “التايمز” اليوم بعد انتِهاء الحرب، ولكنّ الصّحيح أيضًا أنّ قِطاع غزة قبل “غزوة” السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر)، هو غيره بعدها، والشّعب الفِلسطيني الذي قدّم أكثر من 20 ألف شهيد، و50 ألف جريح حتّى الآن، لا يُمكن أن يقبل بعودة عبّاس وسُلطته إلى القِطاع على ظهر الدبّابات الأمريكيّة والإسرائيليّة، ويعتبر المُقاومة هي المُمثّل الوحيد والشّرعي له.
عبّاس لا يُمكن، ولا يجب، أن يكون وسُلطته بديلًا للمُقاومة التي حقّقت أكبر نصر تاريخي إعجازي على دولة الاحتِلال مُنذ اغتِصابها للأرض الفِلسطينيّة قبل 75 عامًا، بل إن هذه المُقاومة هي البَديل له في الضفّة الغربيّة، وبعد تحريريها بالكامِل وانهِيار دولة الاحتِلال.
***
أمريكا الشّريك الفِعلي لاسرائيل في حرب الإبادة والتّطهير العِرقي ستدفع ثمنًا غاليًا لهذه الشّراكة، وإقامة جسر جوّي لتزويد الجيش الإسرائيلي بالذّخائر والصّواريخ القاتلة، وأرسلت حاملات طائرات وأكثر من ألفيّ جُندي مارينز لمنع انهِياره، لا يُمكن أن تكون أمريكا صاحبة قرار في القِطاع والضفّة، بل والمِنطقة العربيّة بأسْرِها، وهزيمتها باتت وشيكةً على غِرار ما حدث في أفغانستان، فهل تدخّلت بعد هزيمتها في اختِيار من يَحكُم أفغانستان بعد هُروبها المُخزي من مطار كابول، وهل سلّمت الحُكم لعُملائها والذين حاربوا معها لبقاء سيطرتها على أفغانستان؟ ألم تتفاوض أمريكا مع حركة طالبان التي هزمتها في الدوحة؟ ولماذا تفترض أن ما فشلت في تحقيقه في أفغانستان ستفرضه وتنجح في القِطاع؟
الرئيس بايدن تتعرّض قواعده في العِراق وسورية لقصفٍ صاروخيٍّ مُزلزِلٍ على أيدي أذرع محور المُقاومة، وباتت سيطرة أساطيله على البحر الأحمر وبحر العرب، والخليج، تتآكل بفِعل الهجمات الصاروخيّة اليمنيّة التي تتعرّض لها، والأُخرى التي تطير من فوق رأسِها باتّجاه ميناء أم الرشراش (إيلات) الفِلسطيني المُحتَل.
لا تقولوا لي إنّني أُبالغ في تقدير قُوّة حركة “أنصار الله” وإنجازاتها العسكريّة، فهذه الحركة التي تمتلك منظومة الصّواريخ الباليستيّة والمُجنّحة، وأسراب بالمِئات من الطّائرات المُسيّرة، ومِئات الآلاف من المُقاتلين الأشدّاء، هذه الحركة أقوى بكثير من نظيرتها في أفغانستان، أيّ الطّالبان، التي هزمت أمريكا وأجبرتها على الهُروب.
من سيَحكُم قِطاع غزة، وكُل أرض تتحرّر من فِلسطين هي حركات المُقاومة بقِيادة السيّد يحيى السنوار ومُساعديه، ومن يقول غير ذلك، وأيًّا كانت جنسيّته، لا يفهم المِنطقة والمُتغيّرات الجذريّة فيها.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق