أسمى قيم الإنسانية والعطاء، تتجلى بين عائلتين من الناصرة - مدينة البشارة والحياة وقرية دبورية عروس جبل الطور. بادرت الاء باسل دبور، زوجة حسين عزايزة من قرية دبورية ان تتبرع بكلية لزوجها حسين في عام 2018 بعد تدهور صحته بسبب فشل كلوي طارئ بدأ على أثرها بإجراء الدياليزا، لكن أباها باسل دبور من الناصرة، رفض ان تتبرع ابنته بكلية لزوجها وأن يغيب كلاهما عن البيت والأولاد وبادر أن يكون هو المتبرع بكليته لابنته من أجل بقائها مع العائلة والى جانب زوجها خلال فترة التشافي. من جهة أخري يدرك حسين ان هناك دوافع اضافية سامية دفعت عمه باسل دبور الى هذا القرار وهو غريزة وحدس الاب، الذي يفضل أن يمنح صحته ووجدانه وكل ما يملك الى أغلي ما يملك: ابنته وزوج ابنه وأحفاده لكي يستمروا بالعيش بسلام.
وفي حديث مع حسين عزايزة، متزج وأب لثلاثة أطفال قال: "موضوع التبرع بالأعضاء يرافقنا كعائلة منذ وقت طويل، تعلمت من خلاله ان التكافل الاجتماعي والتبرع بالأعضاء ضروري من أجل انقاذ حياة الانسان ووقف معانته. سميت ابني راوي تيمنا ب د. راوي رمضان من مستشفى رمبام والذي رافق العائلة على مدار سنوات طويلة بتفان وإخلاص لا يوصف. قبل نحو عشرين عاما زرعت اختي كلية خارج البلاد وفي العام 2018 تلقيت أنا كلية من عمي باسل دبور (اب زوجتي). أختي ولاء تلقت كلية قبل نحو عامين من خلال برنامج التقاطعات وتلقت كلية من دولة الامارات. ومن هذا المنبر ومن هذا التجربة اريد ان أوجه رسالتين مهمتين الى أبناء مجتمعي: الاولى ان التبرع بكلية داخل العائلة هو قرار موجود بين أيدينا وباستطاعتنا ان نوقف معاناة أو ننقذ الحياة. بفضل تطور الطب أصبح الامر سهلا، كلنا نعيش حياة طبيعية ونزاول عملنا عالمعتاد، من تبرع بكلية ومن تلقى كلية. من المفارقات انني أشعر أن صحتي أصبحت أفضل ربما بسبب نهج الحياة الصحي والغذائي والرياضي الذي أواظب علية أكثر وبفضل افراد العائلة الذين يتبنون نهج حياة صحيّ خوفا على صحتي وبالتالي أصبحت صحة العائلة كلها أفضل. رسالتي الإنسانية الثانية هي أن التبرع بكلية داخل العائلة يعزّز من الروابط العائلية ويصقلها بشكل لا يشبه شيئا آخر على وجه البسيطة: يثير مشاعري كل مره من جديد هذه المنافسة بين عمي وبين زوجتي على وقف معاناتي وتستوقفني أكثر الدافع الإنسانية لقرار التبرع بالأعضاء. احسست دائما، كما اعتبرني عمي باسل، ابنا له، لكن أن أحمل كليته أيضا هذا شعور آخر، وان يتخذ قرار التبرع بنفسة لكي تكون ابنته الى جانب الأولاد والى جانبي خلال فترة التشافي هذا شعور اعمق، وأن ألمس تضحية الاب من أجل ابنته وأنا والاحفاد والعائلة، تعجز الكلمات عن الوصف"
وفي حديث مع باسل دبور الذي تبرع بكليته لزوج ابنته قال: " تقديس الحياة هو واجب انساني واجتماعي واخلاقي وهو جزء من ثقافتا كما يحثنا عليها ديننا الحنيف. على الصعيد الطبي أنا أعيش اليوم بشكل طبيعي وازاول عملي كالمعتاد ولم اتخيل أن استئصال الكلية بسيط، عدت الى حياتي الطبيعية بشكل كامل بعد أقل من شهر. رسالتي التي اوصلها الى أبناء مجتمعي وكل انسان له قريب بحاجة الى زراعة كلية ان علينا ان نتكاتف اجتماعيا وأن نضحي من أجل انقاذ حياة احبائنا وتحسين جودة حياتهم والتجربة أسهل مما تتخيلون بفضل تطّور الجهاز الصحي في البلاد. أكثر ما يسعدني هو ان أرى ابنتي وزوجها وأحفادي بصحة جيدة وسعداء، هذا يعزز من القرار الذي اتخذته، قرار يعزّز صلة الارحام وأتمنى ان تصل رسالتي الى كل شخص وعائلة لديها مريض بحاجة الى زراعة كلية"
وفي حديث مع ولاء عزايزة اخت حسين والتي كانت قد تلقت كلية في العام 2021 قالت: " أراد أن يتبرع لي زوجي بكلية لكنها لم تكن ملائمة طبيا، لكن م خلال برنامج التقاطعات، تبرع زوجي بكليته الى شخص لا نعرفه وبالمقابل تلقيت كلية ملائمة لي من دولة الامارات وتم زرعها في مستشفى رمبام في مدينة حيفا. وقالت ولاء عزايزة حينها: "انتظرت هذا اليوم خمس سنوات قضيتها في اجراء الدياليزا وعناء لي وللعائلة ولم نستطع الحصول على كلية ملائمة طبيا من البلاد على مدار سنوات طويلة، ولم تكن كلية زوجي ملائمة أيضا من الناحية الطبية. تعجز الكلمات عن وصف سعادتي ووصولي الى هذا اليوم الذي يوقف معاناتي ومن المثير أن تصل البشرى من الامارات ولا اعرف الشخص المتبرع وانا اول من حصل على كلية من هناك"
وقال د. طوني كرام الذي يعمل مدير قسم جراحة الاوعية الدموية وزرع الكلى في مستشفى رمبام والذي اجرى العملية لولاء قال: " كان مثيرا بالنسبة لي زرع كلية وصلت الينا من الامارات العربية المتحدة، كذلك التعاون وتبادل الخبرات مع الطاقم الطبي هناك والتعرف على أطباء اكفاء، وتبادل الخبرات والتنسيق المركب من اجل انقاذ حياة الانسان. هذا التعاون الطبي المميز الذي يجري ضمن برنامج التبادل الوطني للمتبرعين بكلية بين الاشخاص الأحياء هو برنامج تابع لوزارة الصحة، وهو الجهة الرسمية الوحيدة التي تركز موضوع التبرعات بالأعضاء وعمليات زراعة الأعضاء في البلاد وهو مخصص لمرشحين لزراعة ولديهم قريب عائلة مستعد للتبرع لهم لكن لا يمكن تنفيذ التبرع بينهما بسبب عدم الملاءمة الطبية. يتيح البرنامج عمليا التبرع بكلية (رغم غياب الملائمة الطبية) مقابل إيجاد كلية ملائمة طبيا من شخص اخر. التعاون مع دولة الامارات العربية الشقيقة كما في دول أوروبية كثيرة يزيد من احتمالات إيجاد كلية مناسبة"
وأضاف كرام، بهذه المناسبة اود ان أوجه رسالة إنسانية للجمهور، وهي أن لا يترددوا في التبرع بكلية داخل العائلة وإنقاذ الحياة ووقف المعاناة ونحن الأطباء نعمل خلال برنامج التبادل على الملائمة الطبية. الطب تطوّر كثيرا والمخاطر أصبحت نسبتها قليلة جدا وإنقاذ حياة الانسان ووقف معاناته هي قيمة عليا وهي بين أيدينا.
عن التبرع
يفيد المركز الوطني لزراعة الأعضاء الى ان كل شخص معني بالتبرع بكلية يخضع لفحوصات تقييم طبية ونفسية شاملة لضمان صحته. تهدف الفحوصات الى التأكد من أن المتبرع لديه الأهلية للتبرع ولا تنطوي حالته الطبية والنفسية على خشية تعريض صحته إلى الخطر أو المس بآدائه الوظيفي والتأكد أن موافقته على التبرع أعطيت بصفاء ذهن وعن طيب خاطر بدون أي ضغط أو إكراه، ودون تلقي مقابل أو أية منفعة. القرار بأن يكون الشخص متبرعاً هو قرار حساس ولذلك يمكن للمتبرع أن يتراجع عن موافقته في أي مرحلة قبل دخوله إلى غرفة الجراحة. يمكن ان يتم التبرع داخل العائلة كما هو محدد في قانون زراعة الأعضاء. الشرائع السماوية وغالبية المجامع الفقهية تشجع على التبرع بكلية بين الاحياء وتقدس انقاذ الحياة ووقف المعاناة والرحمة. بفضل تطور الطبّ زراعة الكلى أصبحت آمنة بدرجة كبيرة وعادة ما يتم تسريح المتبرع من المستشفى بعد يومين أو ثلاثة وخلال شهر تقريبا يعود الى مزاولة حياته الطبيعية بشكل كامل. كما أن المركز الوطني لزراعة الأعضاء وجد حلا للمعنيين بالتبرع بكلية داخل العائلة ولا توجد ملاءمة طبية وذلك من خلال برنامج التقاطعات أو برنامج تبادل الأعضاء حيث يتم تبديل الأعضاء بين المتبرعين وبين المرشحين للزراعة بين زوجين أو أكثر، من البلاد أو من خارج البلاد من أجل زيادة احتمالات إيجاد كلية ملائمة طبيا. كما وأن معدل البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل بعد عملية التبرع بالكلى هو المعدل نفسه تقريبًا بالنسبة للذين لم يتبرعوا بالكلى ويتمتعون بصحة عامة جيدة.
[email protected]
أضف تعليق