قال ماهر عبد القادر رئيس الكونغرس الفلسطيني الامريكي ان الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس في غزة بين أن التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل سياسياً وعسكرياً ، يخفي في طياته الاضطراب المؤسسي الداخلي في الولايات المتحدة، وهو الاضطراب الذي قد يأخذ شكل الانقسام أو الغضب المكتوم.
وقال ل بكرا ان إدارة بايدن، التي اختارت في البداية خطابا مؤيدا بشدة لإسرائيل، مضطرة إلى تعديله تحت ضغط من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي مضيفا انه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل، فإن هذه المشكلة ستصبح حساسة بشكل متزايد بالنسبة لبايدن.
وأشار عبد القادر الى ان الانتقادات الموجهة للإدارة الأمريكية بشأن تفاعلها مع حرب غزة أخذت عدة ابعاد منها الانحياز المطلق للرؤية الإسرائيلية فقد ظهر منذ بداية الحرب، أن الإدارة الأمريكية منحازة بصورة مطلقة للرؤية والرواية الإسرائيلية للأحداث، وهذا الانحياز أفضى في بعض الأحيان إلى إحراج للإدارة الأمريكية. وظهر ذلك مثلاً مع ترديد الرئيس "بايدن" مقولات حول "قتل حركة حماس أطفالاً وقطعها رؤوسهم"، وهي الصور التي ظهر فيما بعد أنها غير صحيحة.
ولفت الى ان الفريق الناقد لموقف إدارة "بايدن" الداعم بصورة مطلقة لإسرائيل يدفع بأن هذا الدعم المتواصل ينعكس بالسلب على الصورة الأخلاقية لواشنطن على الساحة العالمية لأنها تظهر في الوقت الراهن بصورة الدولة التي تؤيد مواصلة الحرب؛ وذلك بالرغم من التكلفة البشرية الهائلة لهذه الحرب بالنسبة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، مضيفا ان هذا الفريق لا يخفي اعتقاده بأن ما يحدث يفيد خصوم واشنطن، وعلى وجه التحديد الصين وروسيا، للترويج لخطاب مناهض للولايات المتحدة.
وتابع يقول أما البعد الاخر فهو تزايد الجدل بشأن التمويل الأمريكي لإسرائيل فلم تكد تمر أيام قليلة على بداية الحرب حتى أعلنت واشنطن إرسال كل ما تحتاج إليه إسرائيل في عمليتها العسكرية، كما أقر مجلس النواب في شهر نوفمبر الجاري حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل؛ وذلك بعد طلب من إدارة بايدن. هذا الدعم الواسع دفع بعض النشطاء الأمريكيين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى انتقاد سياسة بايدن، وكيف يتم استخدام أموال الضرائب التي يدفعها المواطنون الأمريكيون من أجل دعم حرب في الشرق الأوسط، كما طالبوا الإدارة بالتوقف عن ذلك الأمر وتوجيه هذه الأموال لصالح الشعب الأمريكي "وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم".
الانتخابات الأمريكية
وبين ان هناك بعد اخر وهو ربط الدعم لإسرائيل بملف الانتخابات الأمريكية حيث حاول هذا الفريق تأطير هذا الدعم بحسابات السياسة، ورغبة "بايدن" في الحصول على دعم المجموعات اليهودية خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا الأمر ينطوي على وصف للإدارة بالبرجماتية والتغاضي عن الجوانب الإنسانية والأخلاقية في قرارات السياسة الخارجية.
ورأى ان هذه الأبعاد شكلت مدخلاً رئيسياً لتزايد الانقسامات على امتداد المشهد السياسي الأمريكي فقد تجلت الانقسامات الداخلية بوضوح في الحزب الديمقراطي الحاكم منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب؛ فقد انتقد خمسة نواب ديمقراطيون ينتمون إلى الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي الدعم العسكري الأمريكي الكبير لإسرائيل، وعلى رأسهم "إلهان عمر" و"رشيدة طليب" بل ذهب بعضهم إلى وصف الرئيس بايدن بأنه يدعم "الإبادة الجماعية" للفلسطينيين.
وقال انه بخلاف الانقسام بين كوادر الحزب الديمقراطي الذي يتضمن تياراً هاماً مسانداً للفلسطينيين، فإن الانقسام في الحزب الجمهوري منبعه التنافس بين الوجوه المؤثرة لإظهار مغالاتها في مساندة إسرائيل؛ فعلى سبيل المثال صرح حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، بأنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تستقبل أي لاجئين فلسطينيين من غزة؛ لأنهم جميعهم "معادون للسامية".
واكد انه بالرغم من أن الإدارة تتخذ موقفاً راسخاً بمساندة إسرائيل عسكرياً ومادياً، فإن مجموعة من المصادر رجحت وجود خلافات في وجهات النظر بين أقطاب الإدارة في كيفية التعامل مع تطورات الأزمة. وتبني هذه الترجيحات قناعتها على منطق مفاده أن الإدارة الحالية لا تثق بـ"نتنياهو" وإن كانت لا تملك إلا دعمه؛ ولذلك كان "بريت ماكجورك" منسق الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي يدعم سياسة ممارسة الضغوط القصوى لإجلاء المواطنين الأمريكيين، بينما وزير الخارجية "بلينكن" والمبعوث الخاص للمسائل الإنسانية في الشرق الأوسط "ديفيد ساترفيلد" يقتنعان بأهمية التوصل إلى صفقة مع دول الجوار الجغرافي لضمان نفاذ المساعدات في مقابل السماح بإجلاء رعايا الدول الأجنبية، ومن بينهم المواطنون الأمريكيون.
تنامي الغضب
ولفت عبد القادر الى تنامي الغضب داخل وزارة الخارجية مشيرا الى انه في 17 أكتوبر 2023 – أي بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب – استقال مسؤول في وزارة الخارجية يُدعى جوش بول من وظيفته، ونشر خطاب الاستقالة على موقع LinkedIn. هذا وقد أعلن "بول" أنه سيستقيل لأنه اختلف مع ما فعلته الولايات المتحدة بالفعل لدعم إسرائيل، ولأنه يخشى مما سيحدث بعد ذلك على الأرجح.
واشار الى انه مع ارتفاع أعداد الخسائر البشرية والتداعيات الإنسانية الخطيرة لسياسة القصف الإسرائيلي بدأت تندلع مظاهرات طلابية وشبابية في الجامعات الأمريكية مساندة للفلسطينيين، مثل تظاهرات جامعه هارفارد، كولومبيا، وكورنيل. وإن كانت التظاهرات ظاهرة مألوفة في الجامعات الأمريكية، إلا أنها اتسمت في الحالة الراهنة بوجود مراجعات فكرية عميقة لمفاهيم بدت مستقرة نسبياً، وعلى رأسها "معاداة السامية".
ورأى انه إذا كان من شبه المؤكد أن هجمات حماس الأخيرة تمثل فشلاً واضحاً لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلا أنه يمكن اعتبارها أيضاً بعثرة لبعض أوراق مجتمع الاستخبارات الأمريكي.
وتطرق الى توسع دائرة الانقسامات السياسية في المشهد الأمريكي وانتقالها إلى داخل مجالس المدن، وهو الأمر الذي وصفته بعض التقارير بأنه تطور "نادر الحدوث" فيما يتعلق بمواقف الداخل الأمريكي إزاء الصراعات الجيوسياسية. وكان السبب الرئيسي في هذه الانقسامات بروز انتقادات حادة داخل المجالس من جانب العديد من الأعضاء الذين طالبوا بالاعتراف بالمنظور الفلسطيني تجاه الصراع، ووقف إطلاق النار في غزة. وبخلاف ما ذهبت إليه العديد من مجالس المدن فيما يتعلق بإدانة حماس، اتخذ مجلس مدينة ريتشموند في كاليفورنيا قراراً عُد "الأول من نوعه" داخل الولايات المتحدة، فيما يتعلق بـ"التضامن مع الفلسطينيين"؛ حيث اتهم القرار إسرائيل بممارسة "التطهير العرقي".
واكد عبد القادر ان تزايد الانقسامات في المشهد الأمريكي ادى لصعوبة يكية استقراء المستقبل من قبل مراكز التفكير الأمريكية.
[email protected]
أضف تعليق