بقلم: غادة خضر
ان تعمقت فى عالم الأمنيات والأحلام لدى البشر ، لوجدت أنها متباينة فى مقدارها ، مختلفة أوزانها وأثقالها ، ولكل مواطن في وطني أمنية وحلم لا يشبه في محتواه ومستواه أحلام بقية الأمم ، فهناك من يحلم بالمال الوفير وأخر يحلم بالمنصب الرفيع ، وغيره يحلم بتوفير قوت يومه وبيت يأويه صغير ، وأخر يحلم بيوم الحرية والتحرير .....
أُمنيات أمس لا تضاهى أحلام اليوم بتاتاً بالنسبة لى ولغيري من أبناء وبنات الثمانينات في القطاع المنكوب ، علماً بأن هناك أحلام خاصة وأخرى عامة ولكلٍ منا مراده ومبتغاه....
ذات يوم كنت أنا وصديقاتى نتجول في محيط الجامعة ، إحداهن كانت كفيفة تُدعى مزيونة ، ورغم ذلك كانت الإبتسامة لا تفارقنا أبداً ، ومع كل خطوة نخطوها نرسم أحلامنا ، نبتسم فتتجدد آمالنا مغردة نحو مستقبل مشرق وبراق ، في ذاك اليوم نظرت إلى السماء راسمة في خيالي صورة فلسطين البهية التي دوماً تحتضن أبناءها ، ونحن نسير وإذا بمزيونة تصطدم بشجرة في منتصف الرصيف ، صعقتُ.... يا له من موقف محرج وصعب ،لمت نفسي ووبختها لأنني أهملت الأمانة التي بين يداى ، أعتذر لكي يا صديقتي أحلامي فاقت حدود الخيال ، رسمت صورة لمستقبل أبعادها وصلت حد السماء ، ونسيت أن يداك متشابكات بيدي ،وظننت حينها أن الخطوة الأُولى في مشوار الحياة بدأت ولا متسع للتفكير ولا للبقاء في تلك البقعة المعتمة ، أكملنا تجوالنا و إذا بالمناوشات تتجدد بين الأخوة الأشقاء ، تلاها إنقسام إستمر إلى يومنا هذا ، تلاها العديد من النكبات نصطدم بها كل يوم ، أولها انقطاع الكهرباء و البطالة والفقر والحصار وأخرها الشعور بالذلة والإنكسار .....
ومع مغيب شمس كل يوم ، شعبنا في غزة يصبح كفيفاً ، لا يرى أى شئ ، بات ضريراً ، وذلك يقوده إلى حال من اليأس والإحباط والبؤس، وأضحى حلمه الأول والأخير هو توفير الكهرباء ....وفي تلك البقعة المعتمة من الوطن ، أدركت أن الكفيف ليس من حرمه الله نعمة البصر ، ولكن الكفيف هو مَن لا يبصر ولا يرى و لا يشعر بمعاناة الشعب ....
تلك هى حكاية مزيونة والشجرة التي اصطدمت بها ، أما نحن أصطدمنا بواقع أسود ملئ بالأزمات ، وافتقادنا لأبسط الحقوق الحياتية وأهمها الكهرباء ، اصطدمنا يا عزيزتي بعشرات الجثث المتفحمة لأطفال وأشبال ، كان حلم الياسر أن يرفعوا علم فلسطين على مآذن القدس وكنائس القدس ، غادر الياسر عالمنا وغادرت أحلامه معه ، اصطدمنا يا صديقتى بصور الرضع الذين لاقوا حتفهم من شدة البرد ، وهم يفتقدون لأبسط حق ألا وهو الكهرباء لتحميهم من البرد ، أيعقل أن يصل بنا الحال إلى وجود مولدات كهربائية داخل المستشفيات !!!!
أيعقل أن تتوقف الحياة في الأبراج السكنية في غزة أثناء فترة ساعات القطع ، إحمدي الله يا صديقتي مراراً وتكراراً لأنك لم تشاهدي حجم الحوادث والكوارث التى حلت بنا...
وبات توفير الكهرباء حلم البؤساء في مدينة الظلام
[email protected]
أضف تعليق