بدون أدنى شك، فان سنة 2023 سنتذكرها بانها السنة الأكثر دموية في المجتمع العربي ولم تنتهي بعد والارقام قد تزداد، وكل صباح وكل صباح ومساء نشهد حوادث قتل، العد يتدفق وأنا أصرخ – ولا يعني أي احد.
كوني إمام مسجد الشهداء في كفر قاسم، ومدير سابق للمدرسة الثانوية في كفر قاسم، فإن قضية العنف والجريمة تشغلني منذ سنوات عديدة. الألم الشخصي الذي أشعر به في كل مرة أسمع عن حادثة عنف يمتزج بإحساسي بالمسؤولية كقيادي ديني ورجل تربية. منذ سنوات عديدة كنت إلى جانب العديد من ائمة مساجد اخرين، ومدراء مدارس ومدراء مراكز جماهيرية وبالطبع ايضًا رؤساء سلطات محلية وناشطين جماهيريين، نعمل في صراع صعب لا منتهي بهدف الحد من الاجرام الذي بداخلنا. ولأسفي الشديد، علي ان اعترف بفشلنا. ومن سنة الى اخرى فان عدد الضحايا يرتفع اكثر واكثر.
كل يوم أتساءل ماذا فعلنا ولم يكن صحيحًا، كيف وصل مجتمعي إلى هذه الحالة الرهيبة ولحرب شاملة. ولو كان بوسعي أن أفعل المزيد، لما تأخرت لا بمجهود ولا بمخاطرة والذي يتحمله كل من يقف ويواجه موجة الجريمة والدمار.
كقائد ديني، انني أؤكد مرارًا وتكرارًا في الخطب التي اقوم بتقديمها في المسجد، اؤكد على البعد الإنساني الذي يستند عليه الإسلام، والذي يرتكز على أيات كثيرة، وهنا اذكر احدى هذه الأيات :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ٤٩، آيه ١٣.
هذه الأية القرأنية من المؤكد تذكر جيراني اليهود بالآية الواردة في سفر التكوين "وخلق الله الإنسان في احسن تكوين" (سفر التكوين 1، الآية 27). جميعنا بني بشر متساوون، والحق للحرية لنا جميعا، بغض النظر عن العرق والدين والقومية والجنس.
إن الفسيفساء الاجتماعي في دولة إسرائيل متعددة الأوجه، وفي داخله - المجتمع العربي. مجتمعي الذي يغرق في بحر من الدماء، والكارثة تتفاقم، اسر وعائلات كثيرة مدمرة كليًا، فقدان تام بالشعور بالأمان الشخصي، اصبح الخوف رهيب من التجوال في مراكز المدن، أطفال يبقون في بيوتهم بسبب الخوف على حياتهم واهال قلقون على حياة أبنائهم، وأنا أتسأل:
هل هذا هو المصير أم ان الامر فشل لحكومة الإسرائيلية !!!
للأسف الشديد، جماهير كثيرة بالمجتمع اليهودي يرون بالمجتمع وبالدي الذي انتمي اليهما مصدر الاتهام. انها ثقافتهم يقولون، هذا دينهم، وهم ملامون ومتهمون.
إن العنف في المجتمع هو نتيجة، وهي نهاية لأزمة اجتماعية داخلية تتفاقم بشكل كبير نتيجة لسياسة حكومية طويلة الأمد تتمثل في الإهمال المتعمد والتجاهل الصارخ لاحتياجات المجتمع التي ساهمت وتساهم في النمو الاقتصادي للدولة. وكلنا نتذكر كيف قاموا بإلقاء التحية لمئات الأطباء والممرضين العرب في فترة فيروس كورونا.
كتب في سفر التكوين " فقال: ماذا فعلت، صوت دماء أخيك صارخ إلي من الأرض" (سفر التكوين 4 الاية 10) صحيح في امر اخر
صحيح في سياق مختلف، صوت دماء القتلى يصرخ من الأرض كأمر واقع. وأنا أصرخ إمامكم، أيها الأصدقاء والشركاء اليهود، إذا كتب علينا ان نعيش معًا على نفس قطعة الأرض، فإن مسؤولية لهذه المشكلة هي مشكلتنا جميعا، وبالأساس هي مشكلة حكومة اسرائيل. أزمة المجتمع العربي لن تحل بشكل فوري، فالقضايا العميقة التي أدت إلى الأزمة تحتاج إلى علاج طويل الأمد، لكن علينا أن نبدأ.
بادئ ذي بدء، في إعادة الأمن الشخصي للعائلات التي تعيش حياة طبيعة، وفي تطبيق القانون ضد الاجرام، وعصابات العنف، والسياقة المتهورة في شوارع المدين وشوارع البلد.
بالتعاون المشترك والكامل مع القيادات الجماهيرية. حيث اننا أول ضحايا لهذه الكارثة، ولكن هناك من يستمر في اتهامنا مرارًا وتكرارًا ويمنع أي إمكانية للعمل معًا لصالح كل المجتمع الإسرائيلي.
اضافة الى ذلك، اذا العنف في شارع معين لن يتوقف فهو لن يتوقف عند نهاية الشارع، فالعنف يمتد بالفعل إلى العديد من المناطق، سواء على الطرقات أو في طوابير السوبر ماركت. الجريمة ليست في المجتمع العربي، بل في المجتمع الإسرائيلي ككل، وعلينا جميعا أن نتكاتف ونبذل كل ما بوسعنا من أجل تحقيق امر ووصية الله بالحفاظ على قدسية الخليقة. ونحافظ على قدسية الحياة.
يتوجب على الدولة أن تقود تحركات هامة في مجال التعليم، ومنح الأمل لجيل الشباب، وأن لا يكون المجرم صاحب السيارة الفارهة مثلهم الأعلى بل طالب الجامعة، والمربي او رجل الدين. انا شخصيًا، والعديد من أبناء شعبي، فعلنا ونفعل كل ما بوسعنا. لكن لا تتخلوا عنا في وضعنا الحرج.
كوني قيادي ديني، أتوجه لجميع القيادات اليهودية الدينية بجميع طوائفهم، وأنا على ثقة أن قدسية الحياة هي نور لدربكم. اتوجه اليكم ان تقوموا بالتأثير على متخذي القرارات في الحكومة ليقموا بالعمل على الحد من ارتفاع مستوى العنف في المجتمع العربي. ففي نهاية المطاف، التفكير يأتي بعد العمل، من المهم بالبدء في اتخاذ قرارات وتدابير جذرية، وتوفير الموارد العينية والملموسة للشباب الخامل في المجتمع العربي، واتخاذ إجراءات عملية لجمع الأسلحة غير المرخصة، وتعيين مسؤول وملم في قضايا المجتمع العربي، والتشديد على ان تقوم الشرطة بفك رموز الجرائم المختلفة التي وقعت في المجتمع العربي بهدف الرد ومنع القتل اقلادم.
كونك من بين متخذي القرارات فبقدرتكم تغيير الوضع الراهن وتغيير ولو قليلا المأساة التي نشعر بها كل يوم في المجتمع العربي عندما نسمع الأخبار في وسائل الاعلام يوميًا عن العنف المستشري في القرى والمدن العربية والتي من الممكن بان تنتقل للمجتمع الاسرائيلي كله. فماذا نتوقع وماذا ننتظر؟؟؟؟
كلي امل فان توجهكم لقياداتكم في الحكومة، من شأنها ان تبدأ بخلق حلول جديدة، وتمنع موجة الدم، وتنقذ حياة الابرياء
باحترام،
الشيح الدكتور عامر اياد
امام وخطيب في مساجد كفرقاسم
[email protected]
أضف تعليق