أسس الفيلسوف اليهودي الفرنسي إيمانويل ليفينس بعد الحرب العالمية الثانية فلسفة محورها المطالبة بالمسؤولية المطلوبة من الشخص الذي يرى وجه الآخر، ومن هذا الوجه تنبع مقولة "لا تقتل" "
"رؤية الوجه هي سماع: "لا تقتل". وسماع "لا تقتل" وعمليًا سماع "العدالة الاجتماعية". وكل ما يجب أن أسمعه من الله والى الله الذي هو غير مرئي، ويجب أن يصل من خلال ذلك الصوت. وحيد وفريد" (إيمانويل ليفينس، حرية صعبة، من الفرنسية: عيدو بسوك، تل أبيب: ريسلينج، 2007، ص 69.)
قبل نحو عشرين يوم جرت في تل ابيب "مسيرة الموتى" . حيث أرادت هذه المسيرة اسماع صرخة، تحديداً في قلب تل أبيب، في اعقاب الازدياد المستمر والرهيب في عدد القتلى في المجتمع العربي. وفي نهاية الشهر سيتم تنظيم مسيرة مماثلة في مدينة حيفا.
كامرأة، يهودية، متدينة، إسرائيلية، شعرت بأنه يتوجب علي الذهاب. شعرت ان من واجبي الامتثال للأمر الالاهي الموجه لي من قبل الآخر، ويطالبني بالمسؤولية.
شعرت أنني مدينة بذلك للأصدقاء الذين عرفتهم على مر السنين، ولكن ليس أقل من ذلك - لنفسي. لم تكن تجربة سهلة، ومع ذلك كانت لها قوة كبيرة.
موكب صامت ونبيل يتقدمه عرض توابيت لميتين كتبت عليها امور كان من الممكن أن يحققها القتلى خلال حياتهم - ولن تتم بعد الآن. ومن خلفهم أهالي الضحايا يحملون صور أحبائهم، وأخيراً حشد كبير، صغارًا وكبارًا، يهوداً وعربيات، رجالاً ونساءً، مغطيين الرؤوس ومكشوفين الرؤوس. يهود ومسلمين ومسيحيين ودروز.
الكثير من تعاليم وأوامر التوراة لا تسمح لي تجاهل الألم والمعاناة. بدءًا من "لا تقف على دم غيرك"، وحتى الذاكرة التاريخية "وتذكرت أنك كنت عبداً في مصر". نحن، الشعب الذي كان ضحية للكثير من العنف، لا يمكنه أن يقف جانبًا في مواجهة مثل هذا العنف. لا يمكن أن نبقى صامتين أمام المظالم التي تلحق بالطبقات الضعيفة والأيتام والأرامل.
النساء العزيزات والأشخاص الأعزاء الذين أعرفهم، يعيشون في خوف دائم على حياتهم، وعلى حياة أولادهم.
إذا كان هناك حتى اليوم من يعتقدون أن هذه صراعات عينية، أو مجرد مشكلة توفر الأسلحة، فإن الأرقام وحقيقة أن جرائم القتل لا تستثني أي عائلة أو طبقة في المجتمع العربي تقريبًا - تجبرنا على فتح اعيننا. لقد قُتل أطفال وكبار بالسن ونساء وطلاب جامعات، وأطباء ومسؤولين كبار ورجال اعمال، وعمليًا - يعيش كل مواطن عربي اليوم في خوف دائم. الشارع العربي تتم السيطرة عليه من قبل عصابات الجريمة المنظمة، التي تجبي الخاوة وتهدد حياة كل من لا يتعاون معها. إنهم لا يترددون في التعامل بعنف ووحشية في اوساط المواطنين والمدنيين، والمتضررين او ابناء عائلاتهم او حتى المارة في الشارع من الممكن ان يكونوا هدف للمس به.
قد تقولون – كيف لنا علاقة في الأمر؟ لماذا يجب التظاهر في تل ابيب؟ ماذا يريدون ما؟ وانا اقول – الغالبية التي لا تعرف ما هي ازمة الاقلية، لا يليق بها الحكم.
المجتمع المدني يتعرض لهجوم من عناصر إجرامية، والمسؤولية تقع على عاتق كل الجهات الحكومية. من المستحيل الاكتفاء بان القضية هي على الصعيد البلدي فهي مشكلة قطرية، ومن يوهم نفسه انها ستبقى في نطاق البلدات العربية – مخطئ
الجريمة لا تزداد وتتعاظم من فراغ. إنها تزداد وتتعاظم في الفراغ السلطوي الذي يسمح لها بذلك. وهي تتعاظم بشكل وحشي في المناطق المتروكة.
عندما تكون مجموعات كاملة يتم منع عنها الاستثمارات الاساسية مثل السكن والصحة والتعليم والرفاه – فان نظام الغاب يسيطر على زمام الامور.
عندما يواجه الشاب حالة من الضيق، وليس هناك حل تربوي واجتماعي - من السهل جدًا تجنيده للمنظمات الإجرامية.
المجتمع العربي لا يختلف في هذا عن المسيرات التي جرت وتجري في جميع أنحاء العالم.
أفترض أنكم لاحظتم على سبيل المثال، لحالات الغرق الكثيرة التي تعرض لها مواطنون عرب. وحاولت ذات مرة أن أسأل لماذا يحدث ذلك واكتشفت لدهشتي أنه في البلدات العربية لا توجد برك ولا دروس للتعليم السباحة. لا توجد اتاحة كافية لاماكن السباحة المراقبة ولا لخدمات الانقاذ.
وهذا مثال بسيط ومبسط لكيفية ان الاستثمار في البنية التحتية من الممكن ان تنقذ الحياة، ولكن من الممكن أن تعلمنا شيئا ما.
ستقولون – لكن هناك فساد، اطلاق نار في الاعراس، وعنف في العائلة.
حتى لو ان كل شيء صحيح، هذه ليست اسباب لاستمرار الاهمال. بل على العكس- هذا يلزم تدخل فعال اكثر من قبل السلطة المركزية، من مكان اهتمام للمواطن. للبنت. للكبير بالسن. ولكل عابر سبيل.
دولة إسرائيل هي صاحبة السيادة. ومن المستحيل الحديث عن "الحوكمة" دون الحكم. إن الحكم والسيطرة لا يمكن ان يتم اقتصارهم بالظهور من اجل الحضور. أن الحوكمة هي ادارة الامور. والتأكد من أن الأطراف والجهات الايجابية تحصل على ما تريد لتنمو وتزدهر. صحيح أن هناك أيضًا مسائل تتعلق بالشرطة وتطبيق القانون. لكن الأمر لا يبدأ هناك. وما هذا إلا غيض من فيض بعد عدم اتخاذ أي إجراءات وقائية، وبعد كل هذا الإهمال.
صحيح ان انعدام الثقة بمؤسسات الدولة لا يجعل عمل مؤسسات تطبيق القانون او غيرها من المؤسسات الرسمية بالامر السهل،- لكن هذا ليس سببًا للتنازل. وليس سببًا لتحمل مثل هذه الأبعاد من القتل اليومي، وترك مجتمع بأكمله للمنظمات الإجرامية.
من المهم الإشارة إلى أن هناك ارتفاع رهيبة في عدد القتلى خلال فترة الحكومة الحالية. إن الشعور بأن المجتمع العربي لا يهم أحدًا، يشجع عمليًا عصابات الاجرام بمواصلة الفوضى. والتجاهل وصل الى ارقام قياسية جديدة، ومعها منع الميزانيات ومنع تنفيذ البرامج التي تم اعدادها لتقليص العنف.
لكن من المستحيل تبرئة جميع حكومات إسرائيل من المسؤولية عن الإهمال المستمر. وما يحدث الآن هو ثمار لـ 75 عامًا من اليأس. وكمن ننتمي الى الأغلبية الحاكمة – لم يمكن بعد أن نتجاهل ونغض النظر.
نتذكر جميعًا المنظمات الإجرامية التي سيطرت على مراكز المدن الكبرى حتى قبل حوالي عشرين عامًا. أسماء مثل أبرجيل أو هراري أو ألفيرون - معروفة لدى كل مواطن في اسرائيل تقريبًا.
ونحن نطاد لا نسمع عنهم اليوم، مدينة نتانيا التي كانت رمز للاجرام هي اليوم مدينة هادئة ومتطورة.
يتوجب علينا كمواطنين الاحتجاج واسماع صوتنا، وذلك لكي تكون فرصة ايضًا لسكان كفرقاسم.
أمر شخصي يجب في النهاية، وهو يتجاوز نداء الواجب: في يوم الاحد حينها لم أشعر بالالتزام برفع صوتي فحسب، بل شعرت انه ببساطة برغبتي بعناقهم وان اقول لهم انني اسمعكم وانني معكم.
عادةً ما يكون من الصعب التعرف علي من خلال غطاء رأسي، وأفضل أن يتحدثوا معي، بدلًا من التحدث مع غطاء رأسي، لكن يوم الأحد في تل أبيب، شعرت أنه بسبب الحضور للرجال والنساء المتدينين من مختلف الديانات، هناك امل ومقولة : كلنا ابناء ابراهيم، كلنا نؤمن في اله واحد، رحيم وكريم. والصمت في مواجهة القتل – وببساطة ليس خيارًا. الوجوه تتحدث معي وتقول "لا تقتل".
[email protected]
أضف تعليق