أهداني صديقي الشاعر عبد القادر عرباسي (أبو صخر)، وزميلي في "الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48" ديوانيه الجديدين "قلائد معلقة" و"همس القصيد". وفي خضم الانشغالات العائلية والواجبات الاجتماعية، كنت أقتنص الوقت لأقرأ بعض القصائد في ديوانه "قلائد معلقة"، حيث جذبتني تلك القصائد بتنوعها وغناها وجمالها، وعدت إليها ثانية لأسجل انطباعاتي فيها.
ينشغل أبو صخر في قصائد الديوان بمحبوبته جميلة، فهو لا يحب ولا يرى ولا يسمع إلا جميلة. وجميلة هذه المحبوبة تأتيك بأشكال عديدة مرة هي الوطن ومرة الأرض ومرة الطبيعة ومرة الظبية أو الغزالة ومرة أي كائن آخر. وشاعرنا يعيش أيامه ولياليه يخاطب جميلة ويناجيها، يتبادل معها الحديث والرسائل، يعاتبها وتعاتبه، يغضبها وتغضبه، يتباعدان لكنهما لا يستطيعان الافتراق، وسرعان ما يعودان ليتسامرا ويتبادلا الغزل. فالسعادة لا تكون الا مع جميلة كما يقول:
"فمعك الحياة يا "جميلة"
جميلة
وبدونك سبل السعادة مقفلة.." (ص 20)
ولم يكن غريبا أن يهدي الشاعر ديوانه "إلى جميلة وكل امرأة من ماجدات فلسطين"، ويعود السؤال يلحّ: من هي جميلة؟ ونستمد اجابتنا هذه المرة من الشاعر نفسه الذي يصف جميلة بناء على طلبها، فيأخذ بالتغني بأردافها وبطنها وقوامها وجيدها إلى أن يصرح "فقري عينا واشربي ظبيتي"، وأمام غضبها يتابع "جميلتي كيف أعصيك/ وأنت حبيبتي/ وهل يجوز عصيان امرأة" (ص 102+103) وهذا ما ذكره في المقطوعة الأولى من الديوان حين يعرف للقاريء جميلة فيقول عنها "ممثلة مدربة.. مسفرة/ محجبة/ لعوب/ مهذبة" (ص 12-13)
وجميلة هي الوطن بتضاريسه حين يخاطبها:
"لست خبيرا بعلم الجغرافيا
وتحديد المواقع
لكن تضاريسك
أثارت بي الفضول
وحفزت عندي الدوافع" (ص 108)
وتبقى جميلة عدة مكونات في قالب واحد.
واذا عدنا إلى عنوان الديوان "قلائد معلقة"، لا بد وأن ندرك أن تلك القلائد مهداة لجميلة، فالقلادة: حلي في العنق، كما ورد في "المنجد". ويمكن أن تعتقد بأن الشاعر قصد بها قلائد الشعر وهي: الأبيات التي لا تنسى لنفاستها. فهل قصد الشاعر أن يهدي قلائده لجميلة أم أنه على طريق المتنبي أراد أن يعبر عن اعتزازه بشعره وأنه لا يُنسى طالما قيل في جميلة؟ إضافة إلى أن لوحة الغلاف جاءت معبرة عن مضمون الديوان، فاللوحة تبرز تلك القلائد التي شكلت قيدا للمحبوب، وإذ بها رويدا رويدا تتحول إلى طيور محلقة في الفضاء دون قيود، فهل حقا تخلص الشاعر من أسر حبّه لجميلة؟
من طبيعة العاشق المتيم أن يفدي محبوبته حتى بروحه، وهذا ما يدركه شاعرنا فتجده يصرح، بأن عشق جميلة سيورده للهلاك أسوة بمن سبقه من العشاق (ص 22). ورغم ذلك لا يمكن للعاشق إلا وأن يظهر بطولته لحبيبته ويكون المدافع البطل عنها:
"فأتيتك لأذود عنك حمامتي
لأقيك من مكر الذئاب
ومن بطش الكلاب النابحة" (ص 24)
توظيف العامية: رغم ان الشاعر يحافظ على مخاطبة جميلة باللغة الفصحى، إلا أنه يتحول في عدة حالات الى العامية مثل "حكيك فلسفة من غير فهم
حاكيني عقد عقلي/ يا من ريتك تعدمها جميلة" (ص 46)، والتي يوظف من خلالها الأمثال الشعبية "وراكي والزمن طويل" (ص 50) و"أكلت يوم أكل الثور الأبيض" (ص 141). أو التعابير العامية التي نتبادلها في حديثنا اليومي "ولك جميلة هو إحنا بإيش والناس بيش؟!" (ص 47)، أو "عالمقلة/ مشاوحة/ هيمان طاشش" (ص 88)، وتعابير أخرى غارقة في العامية: مطنّش، قحفت، فلليش هالتمثيل، ويلتعن سلسبيلك (ص 84+85). ويواصل مخاطبة جميلة بالعامية:
"معقول يا جمول تكوني
بهيك حال وانتي بعيوني
أجمل جميلي ومرآة قلبي
جميلة أنا محتاس والخيال
فيكي تايه " (ص 86)
والعامية لدى شاعرنا ليست دخيلة ولا يقحمها الشاعر إقحاما، إنما تأتي منساقة مع نسق الكلام، مثال على ذلك ما ورد في صفحة 46.
إلى جانب ذلك يلجأ الشاعر إلى توظيف تعابير دينية مسيحي وإسلامية، كما فعل في ص 138 و140 حين يقول "فالبناس المسرة/ وللّه البقاء"، مكررة مرتين، فالتعبير الأول مأخوذ من نشيد الملائكة يوم مولد السيد المسيح – له المجد، والشطر الثاني تعبير إسلامي يقال عند تقديم واجب العزاء. وفي نفس القصيدة استخدم تعبير "جياد بيض" وهي جياد الملائكة. وهناك تعبير "سباع الطّير"، وهو ليس ديني ويعني الطيور آكلة اللحم خالصا، وقد سبق واستخدم هذا التعبير ابن شهيد، في قصيدته المشهورة "وتدري سباعُ الطيرِ أنّ كماتَهُ إذا لقيتْ صِيدَ الكماةِ سباعُ".
رسائل مجتمعية: مواضيع الديوان تتشعب، فهي لا تسجن داخل دائرة الغزل والعشق، بل يطرح الشاعر من خلالها، آراء في المجتمع والسياسة والأخلاق وغيرها. ولا يتورع عن توجيه النقد اللاذع لقطاعات من الناس تتخذ الدين ستارا لتمارس الموبقات الاجتماعية، وهذا ما ورد في صفحة 47 من الديوان:
"أدمنا الاتكال وثقافة التلقين منذ قرون
نلتزم النقاب والحجاب
فأضحى مراحنا يباب
وعقولنا في غفلة وغياب"
وكذلك يصف ما آل اليه مجتمعنا من خراب وفساد واختلال في ممارسة الناس للخطيئة الى جانب النفاق والاجرام "وأضحى الدم على عتبات/ البيوت يراق" (ص 26).
الأخطاء
يلاحظ أنه تشيع الأخطاء النحوية والاملائية في الكتب التي تصدر في الآونة الأخيرة، وهذا ما سمعته في أكثر من مناسبة من نقاد ومتداخلين في أمسيات وغيرها، ويعزو أولئك تكرار الأخطاء إما إلى التسرع في إصدار الكتاب أو عدم مراجعة المادة جيدا قبل طباعتها، وينصح المراقبون بأن تكون هناك أكثر من مراجعة واحدة للكتاب، وحتى بعد طباعة النسخة التجريبية أن يتم تدقيقها بتمحيص، لأن تلك الأخطاء تسيء إلى لغتنا كما أنها تسيء للذوق وأولا وأخيرا تحسب للكاتب/ الشاعر نفسه، من هنا أهمية مراجعة المادة بشكل يضمن عدم وقوع تلك الهفوات.
تلك كانت قراءة سريعة في ديوان "قلائد معلقة"، للشاعر الصديق أبو صخر عرباسي (شاعر الوادي)، الذي أتمنى له كل الخير، ودوام العطاء والمزيد من الشعر والحبّ مع جميلته.
• عبد القادر عرباسي – قلائد معلقة – كفر قرع - نيسان 2023
[email protected]
أضف تعليق