ما هي التغذية الوريدية؟ أنواعها؟ من هم المرضى الذين يحتاجون اليها؟ وبأية وتيرة؟
عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب أخصائية التغذية العلاجية خلود أبو طير، التي تعمل بمستشفى هداسا عين كارم كعضوة في لجنة التغذية الوريدية.
ما هي التغذية الوريدية؟
التغذية الوريدية هي التغذية التي يتم اعطاؤها عن طريق الوريد، حيث يتم توصيلها مباشرة الى الدم دون المرور في الجهاز الهضمي. وتعتمد المدة التي يحتاجها المريض للحصول على التغذية الوريدية على الحالة الطبية الأساسية. فقد يحتاج بعض الأشخاص إلى التغذية الوريدية أثناء مكوثهم في المستشفى لفترة قصيرة نسبيًا (أسبوع إلى 10 أيام)، بينما يحتاج أشخاص آخرون إليها لأشهر (على سبيل المثال في المشاكل المتعلّقة بالمضاعفات الجراحية)، أما إذا كانت المشكلة الطبية التي تتطلب التغذية الوريدية ليس لها علاج فقد يحتاج الشخص إلى البقاء مع التغذية الوريدية الكاملة كل أيام حياته.
ما هي أنواع التغذية الوريدية؟
يتم تصنيف التغذية الوريدية عن طريق كمّيتها وطريقة توصيلها. من حيث الكمية ممكن أن تكون التغذية الوريدية جزئية أو كلية. التغذية الوريدية الجزئية هي التغذية الوريدية التي تُعطى لتكملة التغذية التي يتم الحصول عليها عن طريق الجهاز الهضمي، حيث لا يمكن الحصول على كافّة العناصر الغذائية عن طريق الجهاز الهضمي. مثلا بعض مرضى السرطان يقومون بتناول الطعام لكن الكمية لا تكون كافية بسبب العلاجات. في هذه الحالة يتم إعطاؤهم كمية معينة من التغذية الوريدية لمنع حدوث سوء تغذية. أما التغذية الوريدية الكاملة فهي عبارة عن تغذية كاملة يتم تقديمها عن طريق الوريد للأشخاص الذين لا يستطيعون استخدام أجهزتهم الهضمية على الإطلاق. قد تكون هناك حاجة إلى هذا النوع عندما تضعف القدرة على هضم ومعالجة الطعام وامتصاص العناصر الغذائية مثل حالة متلازمة الأمعاء القصيرة، أو عندما تكون حاجة إلى تجنب استخدام الجهاز الهضمي لفترة من الوقت حتى يتمكّن من الشفاء مثل حالة انسداد الأمعاء.
هناك طريقة أخرى لتصنيف التغذية الوريدية، وتكون بحسب نوع الوريد المستخدم لتوصيل التغذية. الأولى هي التغذية الوريدية المحيطية التي يتم توصيلها من خلال وريد محيطي صغير موجود في اليد أو بإحدى الأطراف، ويستخدم لتوفير التغذية الوريدية الجزئية لفترة مؤقتة (أسبوعين). والثانية هي التغذية الوريدية المركزية التي يتم توصيلها من خلال وريد مركزي، عادةً الوريد الأجوف العلوي الموجود أسفل عظمة الترقوة، والذي يذهب مباشرة إلى القلب، حيث يتم إدخال أنبوب رفيع وصغير بالقسطرة لإدخال التغذية الوريدية، يسمح الوريد المركزي بإيصال تركيزات أعلى من التغذية مع سعرات حرارية أعلى، ولهذا السبب يتم استخدام التغذية الوريدية الكاملة، وفي حالات معينة يتم اعتماد التغذية الجزئية لفترة زمنية أطول.
ما هي الحالات المرضية التي تتطلب تغذية وريدية كاملة (TPN)؟
هناك عدة حالات تتطلب تغذية وريدية كاملة أولها هو مرض السرطان في الجهاز الهضمي الذي قد يسبب انسداد الأمعاء؛ مما يمنع وصول الغذاء للجسم. هناك حالات تسبب بها علاجات السرطان (مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاع أو زراعة النخاع) سوء امتصاص الجسم للعناصر الغذائية أو ظهور تقرحات في الجهاز الهضمي من الفم حتى فتحة الشرج مما يؤدي لعدم القدرة على تناول الطعام.
حالة أخرى هي مرض الكرون وهو مرض التهابي في الأمعاء يمكن أن يتسبّب في أوجاع قوية، تضيّق الأمعاء وأعراض أخرى تؤثر على قدرة تناول الطعام، هضمه وامتصاصه. في هذه الحالات ينصح الطاقم الطبي بمنع تناول الطعام عن طريق الجهاز الهضمي واستبداله بالتغذية الوريدية الكاملة حتى شفاء الجهاز الهضمي.
أيضاً انسداد الأمعاء يتطلب تغذية وريدية لتجنب دخول الطعام الى الأمعاء وتفاقم حالة الانسداد.
بالإضافة الى ما ذكر، فإن متلازمة الأمعاء القصيرة التي هي قد تكون متواجدة منذ الولادة أو نتيجة لعملية جراحية استؤصل خلالها جزء كبير من الأمعاء الدقيقة، في هذه الحالة لا يكون لدى المريض أمعاء كافية لامتصاص ما يكفي من العناصر الغذائية التي تتناولها فيتمّ إعطاء التغذية الوريدية الكاملة كتعويض.
أيضاً في حالة وجود مرض الإقفار في الأمعاء (intestinal ischemia) والذي ممكن أن يسبّب صعوبات تنتج عن انخفاض تدفّق الدم إلى الأمعاء مما يؤثر على هضم الطعام.
حالة إضافية هي وظيفة أمعاء غير طبيعية التي تنتج عنها صعوبة في تحرّك الطعام خلال الأمعاء؛ مما يؤدي إلى مجموعة متنوعة من الأعراض التي تمنع القدرة على تناول الطعام. وظيفة الأمعاء غير الطبيعية يمكن أن تحدث بسبب الالتصاقات الجراحية أو حدوث تشوّهات في حركة الأمعاء أو في مرض الانسداد المعوي الزائف المزمن.
ما هي مكونات التغذية الوريدية؟
التغذية الوريدية عبارة عن تركيبة كيميائية ذات اختلافات قياسيّة ويمكن تخصيصها وفقًا للمتطلبات الغذائية المحددة لكل شخص. وهي تحتوي على كميات مختلفة من أي من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم مثل الماء، الكربوهيدرات، البروتينات، الدهون، الفيتامينات، المعادن والأملاح المعدنية.
هل يمكن للتغذية الوريدية الكاملة أن تحل مكان الطعام لدى الشخص المريض؟
كما ذكرت سابقا فإن التغذية الوريدية الكاملة تحتوي على كافة العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، يتم تحديد كميتها بشكل خاص لكل مريض حسب عمره، وزنه وحالته الصحية عن طريق الطاقم الطبي (الطبيب وأخصائية التغذية العلاجية)، يكون الهدف تزويد المريض بكافة العناصر الغذائية ومنع حدوث نقص بها أو سوء بالتغذية، حيث ان هذه العناصر تساعد في القيام بالوظائف الحيوية بالجسم وتساعد في تحسين نوعية الحياة للإنسان الذي لا يستطيع تناول الطعام عن طريق الجهاز الهضمي.
هل تتم المتابعة وتقييم الاستفادة من التغذية الوريدية للمرضى؟
تتم متابعة المرضى الذين يستخدمون التغذية الوريدية بشكل دائم، سواءً كانوا يتلقونها بالمستشفى أو بالبيت، وذلك عن طريق مراقبة النمو عند الأطفال، زيادة الوزن أو المحافظة عليه عند المرضى الأكبر بالسن، المحافظة على مستوى عالي من البروتينات بالدم والمحافظة على معدل الفيتامينات.
هل هناك مخاطر أو مضاعفات لهذا الإجراء؟
تعتبر التغذية الوريدية أقل مثالية من التغذية عن طريق الجهاز الهضمي بسبب ارتفاع مخاطر حدوث مضاعفات، فمن الممكن حصول العدوى والاصابة بالالتهابات والبكتيريا من القسطرة الوريدية أو عند عدم الالتزام بقواعد النظافة والتعقيم عند توصيل التغذية الوردية أو فكّها. ومن الممكن أن تتكوّن تجلّطات الدم في مكان التقاء القسطرة بالوريد. من المضاعفات أيضا اختلالات في معدل السكر مثل ارتفاع أو نقص السكر في الدم ويتم علاجها عن طريق تعديل نسبة الإنسولين أو إضافة السكر، أو اختلالات في معدل الأملاح حيث يتم مراقبتها بشكل دائم وتغيير الكمية بالتغذية الوريدية حسب الحاجة. يمكن أيضا أن تحدث مشاكل بالكبد، الأمر الذي نعرفه من مراقبة انزيمات الكبد، ويتم علاجها عن طريق تغيير تركيب التغذية الوريدية بالأخص كمية السكر، كمية ونوعية الدهون.
يمكن أن تحدث أيضاً مشاكل في المرارة عندما يؤدي نقص التحفيز من الجهاز الهضمي إلى تراكم العصارة الصفراء دون إطلاقها بشكل طبيعي في الأمعاء الدقيقة. من الممكن تحفيز تقلصات المرارة عن طريق تشجيع المريض على تناول كمية صغيرة على الأقل من التغذية عن طريق الفم والجهاز الهضمي.
ومن الممكن أن تحدث هشاشة العظام أو تليّن العظام لدى الأشخاص الذين يتلقون هذه التغذية على المدى الطويل، ربما بسبب نقص الفيتامينات والمعادن مثل الكالسيوم، المغنيسيوم وفيتامين D. لذلك يتم مراقبة هذه العناصر بشكل دقيق، بالإضافة لتوجيه المرضى لعمل فحص دوري لهشاشة العظام.
كيف تتم متابعة المريض؟
يقوم مقدمو الرعاية الصحية باستمرار بفحص كمية السوائل التي يتم أخذها الى أن يتم إخراجها من الجسم، وتتم مراقبة الوزن بشكل دوري. كما وتجرى للمريض اختبارات دم منتظمة وتشمل على فحص الألبومين، وظائف الكلى، نسبة السكر والأملاح المعدنية بالدم، مؤشرات وظائف الكبد ونسبة الفيتامينات والمعادن.
ما هي العوارض التي يمكن ان تدلّ على وجود مضاعفات؟
هناك بعض العلامات التي يمكن أن تشير إلى مضاعفات مرتبطة بالتغذية الوريدية، يجب اخبار الطبيب عند ظهور أي من الأعراض التالية: ارتفاع درجة الحرارة، القشعريرة، التعرق، زيادة خفقان القلب، التّشنّجات، ألم في المعدة، الاستفراغ، تجمّع السوائل أو التورم غير العادي بالجسم، زيادة الوزن المفاجئ، احمرار في موقع القسطرة أو ألم الصدر المفاجئ.
ما هي التغييرات في نمط الحياة والتحديات النفسية الناتجة عنها للمريض؟
قد تؤدي التغذية الوريدية وبالأخص التغذية الوريدية البيتية التي تعطى لفترة طويلة أو لمدى الحياة الى تحدّيات وتغيير في نمط الحياة. مثلا قد يحتاج الانسان الى تواجد أحد أفراد العائلة لتوصيله لتناول التغذية الوريدية، وعلى هذا الفرد والمريض المتلقّي للتغذية التواجد بالمنزل بساعة معينة أي يجب أن يخطّطا يومهما وفقا لذلك. بالإضافة فإن بعض المرضى يشعرون بالضيق حيث عليهم تلقي التغذية الوريدية لعدد كبير من الساعات المتواصلة التي قد تمتد من 12-24 ساعة. كما أن المرضى يوصون بعدم السباحة عند وجود التغذية المركزية (عن طريق أنبوب وضع بالقسطرة) وذلك لتقليل نسبة الالتهابات، وعند الاستحمام يجب لف الفتحة جيدًا بضمادة واقية للماء.
التغذية الوريدية الكلية (TPN) هي أمر حيوي للأفراد الذين لا يستطيعون تناول الطعام. ومع ذلك، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية ورفاهية الحياة. وتكون المراحل الأولى للتغذية الوريدية هي الأصعب، وتتضمن مشاكل التّكيّف الرئيسية فقدان الوظائف الأساسية مع الشعور بالقلق، الاكتئاب، العزلة، الخوف وصورة الجسم السلبية لدى المريض. قد تكون إدارة الاكتئاب والقلق أثناء التغذية الوريدية أمرًا صعبًا، ولكن من الضروري إدراك أن هذه الحالات شائعة بين مرضى الـ TPN، ولكن يمكن التغلب عليها مع القليل من الصبر. وعلى المريض معرفة أن الدعم النفسي والاستشارة هي موارد لا تقدر بثمن للأفراد الذين يشعرون بالاكتئاب أو القلق بشأن علاجهم. تمكّن هذه الموارد المرضى من التعامل مع تعقيدات الاكتئاب والقلق والتعامل معها.
بماذا تنصحين المعالَجين بهدة الطريقة؟
تعتبر التغذية الوريدية من التّدخلات الشديدة، إلا أنها تنقذ حياة هؤلاء المرضى، وتدعمهم خلال فترة زمنية صعبة بسبب صحتهم. في البداية تبدو هذه التغذية صعبة ومزعجة، لكن يمكن أن يعتادوا عليها بل وستصبح روتينًا في حياتهم اليومية.
وللمريض أقول أنك من خلال هذه التغذية تتلقّى كافّة العناصر الغذائية وتمنع سوء التغذية، كما وأنها تساعدك بالقيام بالوظائف اليومية لأنها تمدّك بالطاقة وتحسّن من مستوى الحياة. وتذكر أيضا أنك لست وحيدا فأثناء التغذية الوريدية، سيستمر فريق الرعاية الصحية في مراقبة احتياجاتك الغذائية وردود أفعالك بعناية فائقة. احرص على الالتزام بكافة التعليمات التي تتلقاها من الطاقم الطبي للحصول على أفضل النتائج الصحية وأقل المخاطر.
قصة نجاح تودّين التّحدث عنها كأخصائية.
طفلة ولدت مع متلازمة الأمعاء القصيرة، بدأت التغذية الوردية فورا بعد ولادتها.
بعد فترة بدأت مضاعفات التغذية الوريدية على الكبد، فقمنا بتخفيض كمية الدهون والسكر الموجودة في التغذية الوريدية لحماية الكبد! الأمر الذي أدى لوقف نمو الطفلة بسبب عدم حصولها على سعرات حرارية كافية. بعد ذلك قمنا برفع السعرات الحرارية عن طريق زيادة السكر والبروتينات بالتدريج وقمنا بتقليل الدهون وتغيير نوعه، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض إنزيمات الكبد وإعادة وتيرة النمو لهذه الطفلة. كما وأن هذه الطفلة تتلقى كمية مرتفعة نسبيا من الكالسيوم وڤيتامين د لإنها تعاني من خطر هشاشة العظام الذي تبيّن بعد إجراءها للفحوصات الدورية للتغذية الوريدية. الطفلة الان عمرها ثلاث سنوات ونصف، حتى الآن تحصل على التغذية الوريدية الكاملة بفترة الليل.. تذهب نهارا الى الروضة وتنمو بشكل جيد جسديا، نفسيا وفكريا.
ما هو عنوان المرضى الذين يحتاجون الى الدعم والاستشارة؟
جمعية نيسان لصحة الجهاز الهضمي، الكبد والتغذية هي الجمعية العربية الوحيدة، التي تُعنى بكافة مشخصي أمراض الجهاز الهضمي وأفراد عائلاتهم، وموقعها مدينة الناصرة، يمكن التّوجه إليها لأي استفسار ولتلقّي المعلومات.
[email protected]
أضف تعليق