هل بدأت سيناء تحنّ لزمنِ المُقاومة؟ ولماذا التكتّم على أسرار العمليّة الفدائيّة التي أودت بحياة 3 إسرائيليين؟ وهل مُنفّذها “مُخرّبٌ” أم “مُعمّرٌ”؟ ولماذا يفرح ملايين المِصريين والعرب بشَهادته؟
عبد الباري عطوان
لنضع البيانات الرسميّة المِصريّة والإسرائيليّة جانبًا، ونقول بكُلّ وضوح، أنّ العمليّة التي نفّذها جُندي مِصري قُرب حُدود بلاده مع فِلسطين المُحتلّة فجر اليوم، وأدّت إلى مقتل ثلاثة جُنود إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين، كانت عمليّة “استشهاديّة” تعكس مشاعر أكثر من 110 مِليون مِصري، و500 مِليون عربي، وأكثر من مِلياريّ مُسلم في العالم، عمليّة جاءت من مُنطلقاتٍ وطنيّة صِرفَة، وليس لها علاقة من قريبٍ أو بعيد بتهريب المخدّرات.
مُنفّذ العمليّة، انطلق من مشاعرٍ وطنيّة، وتضامنًا مع أشقّائه في فِلسطين المُحتلّة، الذين يستشهدون يوميًّا برصاص الاحتِلال الإسرائيلي، أو بقصف طائراته، ويجري قلع أشجار زيتونهم، وتدمير منازلهم وشُهدائهم، ومنع تسليم جثامينهم، وإهانتهم أمام الحواجز، والتّنكيل بأسراهُم، وسرقة مائهم، وهوائهم، وبحرهم.
هذا الجنديّ الشّهيد قام بواجبه الوطنيّ في التصدّي لدوريّةٍ إسرائيليّةٍ اقتحمت حُدود بلاده بغطرسةٍ وتجبّر، وأهانوا كرامته الوطنيّة، ولا نستبعد أن يكونوا استفزّوه بكلماتٍ نابيةٍ كعادتهم دائمًا في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، ومثلما فعلوا مع شقيقه سليمان خاطر، والجُندي الأردني أحمد الدقامسة عام 1997.
***
ما لا يعرفه الجُنود الإسرائيليّون، وجِنرالاتهم، وقادتهم السياسيّون، أن اتّفاقات التطبيع قديمها وحديثها، لن تُوفّر لهم الأمن، ولا الاستقرار، ولن تخدع المُواطن العربي وتُغيّر قناعاته، لأنّها اتّفاقاتٌ مفروضةٌ بالقُوّة، والحِصارات، وسياسات التّجويع، ولم تصل إلى الشّعوب، وتُغيّر قناعاتهم بالتالي، ومن وقّعها لم يَسْتَفْتِ شعبه، ولم يحصل على مُوافقته.
ماذا يتوقّع الإسرائيليّون من جُنديٍّ مِصريٍّ عامرٌ قلبه بالإيمان، يُتابع يوميًّا الاقتِحامات لمسجده الأقصى، والاعتِداءات الوحشيّة على أشقّائه في نابلس وجنين وطولكرم وقِطاع غزّة، ولا تُميّز صواريخهم بين طفلٍ وبالغ، إمرأة أو رجل، وتحوّل الجميع إلى شُهداء؟
الإسرائيليّون يصفون هذا الجُندي المِصري الوطني الشّاب بأنّه “مُخرّب”، وهذا التوصيف هو قمّة الوقاحة، فهل الدّفاع عن تُراب الوطن تخريب؟ وهل التّضامن مع الأشقّاء المُحاصَرين المُجوّعين المُهانين تحت الاحتِلال تخريب؟ وهل احتِلال أرض الآخرين، وبناء المُستوطنات، وتشريد أهل الأرض، هو ذروة “الإعمار” والحضارة؟
هذه العمليّة التي يراها مِئات الملايين في الشّرق الأوسط والعالم الإسلامي، جاءت كردّ فعلٍ على المجازر التي يرتكبها الإسرائيليّون في حقّ أشقّائهم في الأراضي المُحتلّة، والقصف شِبه اليومي للعُمُق السوري، والاغتيالات المُبرمجة لقادة فصائل المُقاومة الميدانيين الذين يُمارسون حقّهم المشروع في الدّفاع عن أرضهم وكرامتهم الوطنيّة.
نقول للإسرائيليين إن بناء السّياجات والأسوار الأمنيّة الإسمنتيّة، أو الشّائكة، لن تُوفّر لكُم الأمن، ولن تُطيل من عُمُر احتِلالكم، واغتِصابكم، للأرض العربيّة، وإنهم باتوا منبوذين من مُعظم مُواطني اليابسة، وحتّى أقرب حُلفائهم ضاقوا ذرعًا بهم، ولم يعودوا قادرين على تحمّل أعبائهم وجرائمهم.
نُذكّرهم بأنّ الزّمن الذي كانوا يحسمون فيه الحُروب بساعات قد ولّى إلى غير رجعة وباتت هذه الأسوار الشّائكة أكبر أنواع خِداع النّفس، في زمن الصّواريخ ومدافع الهاون، والمُسيّرات، وكتائب المُقاومة الجديدة التي تتكاثر هذه الأيّام وتتناسل في المُدُن والمُخيّمات الفِلسطينيّة المُحتلّة بشَكلٍ مُتسارع، وتتنافس فيما بينها على تقديم الشّهداء.
***
مِصر العُروبة، التي ما زالت تحتلّ “إسرائيل” قمّة الأعداء في عقيدة جيشها، كانت وستظل رأس الحربة في مُقاومة هذا المشروع الصّهيوني الاستِيطاني العُنصري، وأبناؤها لن ينسوا مُطلقًا مجزرة مدرسة بحر البقر، وحرق أسراها أحياء، والقائمة تطول.
ربّما تُطبّع بعض الحُكومات مُكرَهةً، أو مخدوعةً، ولكن الشّعوب لن تُطبّع، وخاصّةً في مِصر، لأنّ هذا التّطبيع لم يجلب إليها إلّا الدّمار والجُوع، فأوضاع مِصر والأردن والسودان والمغرب كانت أفضل عدّة مرّات قبل هذا التّطبيع، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا.
دولة الاحتِلال باتت مُحاطةً ببنادق وصواريخ المُقاومة من كُلّ الاتّجاهات، من الشّمال، والجنوب، والشّرق والغرب، وحتى البحر لم يعد مهربًا آمنًا، ولا المطارات، ووقائع معركة “سيف القدس”، وغزّة الأخيرة خيرُ شاهدٍ، ولعلّ المُناورات التي يُجريها الجيش الإسرائيلي حاليًّا للتّدريب على مُواجهةٍ شاملةٍ على عدّة جبهاتٍ في الوقتِ نفسه هي التّأكيد على ما نقول؟
يبدو أن سيناء تحنّ وتتشوّق للعودة إلى المُقاومة، حيث تملك إرثًا مُشرّفًا في هذا الميدان، ولعلّ هذا الجُنديّ “المجهول” الذي تصدّى لقوّات الاحتِلال فجر اليوم قد أطلق رصاصات الإنذار الأولى بعد أعوامٍ من الصّمت، ولا نعتقد أنها ستكون الأخيرة، بعد أن فاضَ الكيْل، وتعدّدت مجازر الاحتِلال في حقّ الأبرياء، وتبخّرت كُلّ الآمال في الانسِحاب، وإعادة الأرض لأصحابها، والمُفاجآت القادمة قد تكون أكثر صدمةً للاحتِلال ومُستوطنيه وجِنرالاته.. واللُه أعلم.
[email protected]
أضف تعليق