ماذا يعني سُقوط “باخموت” بالنّسبة لبوتين وجِنرالاته؟ وهل اعتراف زيلينسكي بهذا السّقوط تسليمًا أوّليًّا بالهزيمة؟ وكيف كرّر إهاناته للعرب في هيروشيما بطريقةٍ أخطر؟ وهل ستُغيّر طائرات “إف 16” مصير الحرب الأوكرانيّة؟
عبد الباري عطوان
سيدخل شهر أيّار (مايو) الحالي تاريخ الحرب الأوكرانيّة بأنّه شهرٌ حافلٌ بالصّدمات، والهزائم، والطّالع السّيء، للرئيس فولوديمير زيلينسكي وحُلفائه الأمريكيين، والأوروبيين، ليس بسبب إعلان سُقوط مدينة “باخموت” الاستراتيجيّة كُلّيًّا في أيدي قوّات الجيش الروسي ليلة أمس السبت، إنّما أيضًا بسبب فضيحة فشل صواريخ “الباتريوت” في إسقاط صاروخ “كينجال” الروسي الأسرع من الصّوت.
صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعطى الضّوء الأخضر لمؤسّسته العسكريّة ودول أوروبيّة أُخرى بتزويد أوكرانيا بمُقاتلاتٍ من طِراز “إف 16” الأمريكيّة الصّنع في مُحاولةٍ لكسب الحرب الجويّة، ولكنّ هذه الخطوة الأمريكيّة جاءت مُتأخّرةً أوّلًا، وقد تُؤدّي إلى نتائجٍ عكسيّةٍ ثانيًا، وفوق هذا وذاك، تُشكّل اعترافًا أوّليًّا بالهزيمة بعد عامٍ وثلاثة أشهر من بدء هذه الحرب ثالثًا.
***
التقديرات العسكريّة الغربيّة تقول إن تدريب الطيّارين الأوكرانيين على قيادة هذا النّوع من الطّائرات (إف 16) سيحتاج إلى ستّة أشهرٍ على الأقل، وما زال من غير المعروف ما إذا كانت ستُجهّز بالصّواريخ والمعدّات، والأجهزة الإلكترونيّة الحديثة اللّازمة، ممّا يعني أن استخدامها في الأجواء قد لا يتم إلا مع اكتمال العام الثاني من بداية هذه الحرب إن لم يكن أكثر.
سُقوط “باخموت”، وتدمير منظومات صواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة بعد أسابيع من وصولها في مخازنها وفي قلبِ مدينة كييف العاصمة، جاء لينسف مُعظم الحملات الدعائيّة في الصّحافة، وأجهزة الإعلام الغربيّة، التي كانت تتحدّث عن تفوّقٍ كبيرٍ للأسلحة الأمريكيّة والأوروبيّة على نظيرتها الروسيّة باعتبارِ الأخيرة “مُتخلّفةً” وبما يُؤكّد العكس تمامًا.
مجلّة “ميليتري ووتش” الغربيّة المُتخصّصة في الأسلحة أكّدت هذه الحقيقة عندما كشفت في عددها الأخير الصّادر قبل أيّام أن الخُبراء المُشرفين على هذه المنظومات، أطلقوا 32 صاروخ “باتريوت” لاعتراض صاروخ “كينجال” الروسي الأسرع من الصّوت، دون أيّ نجاح، وجميع هذه الصّواريخ أخطأت الهدف، وبلغت قيمته حواليّ 96 مليون دولار كحد أدنى، وهُناك تقارير غير رسميّة لا تستبعد مقتل العديد من الخُبراء الأمريكيين كانوا يُشرفون على استِخدام هذه الصّواريخ، وجرى التكتّم عليهم.
المُقاتلات الأمريكيّة، وحسب آراء الخُبراء العسكريين باتت “قديمةً”، ولن تُؤدّي إلى كسب الحرب الجويّة، لسببٍ بسيط لأن الصّواريخ الروسيّة من طِراز “إس 400″ و”إس 500” الأكثر تطوّرًا ستكون في انتِظارها، ويكفي التّذكير بأنّ أحد طائرات هذه النّوع الإسرائيليّة (إف 16) جرى إسقاطها في الأجواء السوريّة في 12 شباط (فبراير) عام 2018، وبصاروخٍ روسيّ الصّنع من طِراز “إس إيه – 5” الأقل تطوّرًا بكثير.
زيلينسكي الذي تطاول على العرب، ووبّخ قادتهم أثناء حُضوره القمّة العربيّة الأخيرة في جدّة، عندما “عايرهم” بمُساندة أو عدم إدانة الضّم الروسي لأقاليم شرق أوكرانيا، وهو الذي أيّد العُدوان الإسرائيلي وقتل الأطفال في غزّة، وأرسلت دولته 5000 جُندي للمُشاركة في حرب العِراق عام 2003، ولم يُدن مُطلقًا ضمّ “إسرائيل” للقدس المُحتلّة وهضبة الجولان، ارتكب خطيئةً أُخرى لا تقلّ فداحةً، عندما قال خلال وضعه إكليلًا من الزّهور على النّصب التّذكاري لضحايا مجزرة هيروشيما النوويّة “إن صُور الدّمار ذكّرته بباخموت والمُدُن الأوكرانيّة الأُخرى المُدمّرة”، ولم يَقُل مُطلقًا تلميحًا أو تصريحًا إن من ارتكب هذه المجزرة النوويّة هُم حُلفاؤه الأمريكان، وليس أعداؤه الروس.
تأكيدات الرئيس بايدن بأن هذه الطّائرات الأمريكيّة من طِراز “إف 16” التي من المُتوقّع أن تتدفّق على زيلينسكي وجيشه في الأشهر القادمة، لن تُستخدم لقصفِ أراضٍ روسيّة، وإنّه حصل على ضماناتٍ من زيلينسكي في هذا الشّأن لن تُقلّل من حالة الغضب الروسيّة، أو من الحقيقة التي تقول بأنّ التورّط الأمريكيّ المُباشر في هذه الحرب يتصاعد، فالعالم كلّه يعرف أن زيلينسكي مُجرّد “دُمية” وليس صاحب قرار، وأن استخدام هذه الطّائرات لقصف الجيش الروسي ومواقعه في إقليم “دونباس” شرق أوكرانيا التي أصبحت أراضٍ روسيّة بعد الضّم، قد يكون المُفجّر للمُواجهة المُباشرة الروسيّة الأمريكيّة، وربّما الحرب العالميّة الثالثة أيضًا بالنّظر إلى التّحذيرات الروسيّة.
***
موسم الربيع يقترب بعد أيّامٍ من نهايته، والهُجوم الاوكراني المُضاد الموعود لم يبدأ بعد، ويبدو أنه لن يبدأ مُطلقًا، وجاءت هزيمة باخموت، وسُقوطها في أيدي قوّات “جماعة فاغنر” وليس الجيش الرسمي الروسي، لتُؤكّد أن الولايات المتحدة بدأت تخسر الحرب الأوكرانيّة عسكريًّا، بعد أن خسرتها اقتصاديًّا نتيجة فشل العُقوبات، والأخطر من ذلك أن الخسارة الأكبر قد تكون للسّلاح الأمريكي الذي بدأ تفوّقه يتراجع أمام نظيره الروسي، وربّما قريبًا أمام الصيني، إن لم يكن قد تراجع بالفِعل، ولعلّ فشل “القبب الحديديّة” الطّفل غير الشّرعي لهذا السّلاح في حرب غزّة الأخيرة أمام صواريخ المُقاومة “العبثيّة” هو بداية الانحِدار، وأحد أبرز الأدلّة، وربّما يكون الوقت قد حان لكيّ يَمُدّ فلاديمير بوتين رجله في الوقت الرّاهن على الأقل.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق