كتب: د. سامي ميعاري
الاقتصاد عصب الحياة ومحور الصراعات بين الدول والأمم، ولأن موضوع الأعراس التي تهدر اقتصادنا موضوع هام ومقلق فلا بد من التحليل العميق والصراحة المفيدة والتوصية المبنية على دراسة وفهم.
لعلّ_هذا_الموضوع_له_أبعاد_متعددة، منها الاقتصادي ومنها كذلك الاجتماعي والنفسي والديني والرابط المشترك بين ذلك كله هو البعد الثقافي، وانطلاقاً من خبرتي في التحليل الاقتصادي فقد آثرت البدء بالجانب الاقتصادي والتركيز عليه مع التذكير بالعلاقة الوثيقة بين الاقتصادي والاجتماعي لأن الاقتصاد يؤثر مباشرة في التكوين الاجتماعي وله دور في هذه المنظومة من النتاج البشري.
يبدأ_العرس_عندنا_وينتهي_تحت_شلال_من_المصروفات المالية يصل إلى حد المبالغة المفرطة، ويلقي أعباء على العروسين وأهليهم وحتى على أقاربهم وأصدقائهم والمحيطين بهم. علماً بأن الهدر الاقتصادي هو تحطيم للبنية التحتية للمجتمعات واستنزاف لمقدراتها وإضعاف لمواردها.
وفي غمرة هذه الفرحة المفترضة يغيب الوعي عن الحضور، ويطغى مشهد الذبائح والولائم الاستعراضية على الموقف، وتخيم على الأجواء العاطفة التي لا تقيم وزناً للحسابات ولا تسمح للعقل أن يأخذ دوره السيادي في توجيه الأنشطة والتحكم في إدارة الأمور وتقويمها.
وإذا كانت حكمة الله اقتضت أن نكون_أمة_وسطا لا تجعل يدها مغلولة إلى عنقها ولا تبسطها كل البسط فإنك ترى بكل ألم أن الوسطية محظورة في هذه المناسبات لا وجود لها وتحضر فنون البذخ في إهدار عشرات بل مئات آلاف الشواقل في مصروفات الولائم والخضار والفواكه والحلويات وقاعات الأفراح والمفرقعات والعيارات النارية والسيارات ووقودها والفنادق وفرق الغناء والموسيقى والزجل الشعبي وأمور يصعب حصرها في المجوهرات الثقيلة التي ينوء بحملها الجميع وفساتين السهرة والخطوبة والعرس ومستلزمات الكسوة وغير ذلك الكثير الكثير...
هذا الجانب الأول وهو المصروفات المالية المباشرة، فضلاً عن ذلك يغيب عن بال الناس خسائر أخرى لا يعبأون بها وإذا سألت أحدهم عن التكاليف التي تكبدها في عرسه فإنه يحصي المصروفات المالية وهو يجهل نوعا آخر من الخسائر الاقتصادية لهذه الأفراح المحزنة يتمثل في تعطيل أسرة العروسين قبل العرس وأثناءه وبعده.
فالأسرة التي تتكون من خمسة أفراد على سبيل المثال إذا تعطلت عن العمل سبعة أيام فإن هذا يعني بأن ربع دخل الأسرة قد تمت خسارته فكيف إذا تعطلوا عن العمل فترة أطول؟؟؟
والغريب هو أن الناس في بلادنا يميلون إلى تقليد المجتمعات الغربية في عادات وتقاليد غريبة عنا لكنهم لا يأخذون عن المجتمعات الغربية السلوكات الإيجابية في التنظيم والترتيب والفاعلية، وهي قيم نقلها الغرب عنا أصلا، فالعرس عندهم يتم في يوم واحد دون تعطيل للحياة وبأقل التكاليف ففيها اعتدال وهدوء يجعل الفرح أقرب إلى النفس من التعب والإرهاق.
ثم علينا أن نتصور الخسارة التي تلحق بالإنتاج في المجتمع حينما نجد عددا كبيرا من أفراد الأسرة متعطلا عن أداء وظيفته ودوره وجهده المفترض. لا سيما أن بعض البلاد العربية يختلف عن بعض في مراسيم الأعراس ففي دول الخليج المبالغة أكثر حيث يسود الفكر القبلي ( العشائري).
ومع تحذيري من الهدر الذي يحدث في أعراسنا غير إنني لا أتجاهل الدور الذي تلعبه تلك الأعراس في تحريك عجلة الاقتصاد لكن هذا الدور غير متوازن ومختلّ تماما لصالح جهة محدودة مقابل خسائر جهات كبرى هي المجتمع ويبقى المستفيد فئة محدودة من التجار.
هذه الأعراس تبدو مفرحة من الناحية الشكلية لكن الذي يتأمل بعمق وتدبر جوهر المسألة يجد بلا شك أن الفرحة ستنقضي بسرعة البرق فيما سيرزح أهل العرس تحت وطأة ضغوط هائلة لأن التبذير صفة ذميمة فقد وصف القرآن المبذرين بإخوان الشياطين وهذا الوصف المفزع لمن يتفكر فيه يكفي لردع أمة تنتمي لهذا الدين.
هذه_الأعراس_ليست_أفراحاً_بل_هي_استعراضات يقوم بها الناس لتسجيل سبق في أعلى حد لتكاليفها بدل السبق الذي يجب أن يكون في الصالحات.... في إيجاد عادات سلوكية قيمة تسهم في الاستقرار النفسي والاجتماعي للناس ... في خلق بدائل وابتداع نهج يخفف الأحمال والأثقال بدل إزعاج الجيران الذين لديهم مرضى يحتاجون الهدوء كما الغذاء والماء والدواء.... ولديهم طلاب جامعات ومدارس يحتاجون لأجواء تهيئ لهم التحصيل القيم.
وفي بعض الجيران عمال يعملون في أشغال ومهن شاقة والنوم بالنسبة إليهم هو الذي يكفل لهم المقدرة على تجديد قدرتهم على الانطلاق في اليوم التالي......
إذا كان النبي الكريم محمد – عليه السلام – نهى عن تلاوة القرآن بصوت مرتفع في المسجد لأنه يشوش على المصلي فقال: " لا يشوش قارئكم على مصليكم". فكيف نسمح لمكبرات الصوت أن تقض مضاجع الناس وتسرق النوم والراحة من عيونهم؟؟
إن إقامة الأفراح بهذه الطريقة تؤسس لاقتصاد هش وإنتاج فقير وحالة اجتماعية مهترئة وهموم نفسية وفيها آثام دينية لا ترضي الله ورسوله.... فهل أنتم منتهون؟؟؟؟
[email protected]
أضف تعليق