الكاتب والاديب الشيخ الدكتور محمد زيناتي


ينابيع الشوق أتيت لأسقي بها السطور وأعطر الفكر وأحبس انفاس النهيد الى معانيها، الشوق او الاشتياق ما هو الا جمره، تتقلى , تارة على خفقات القلب، وتارة على أوتار الفكر، وابدا لا ترمدّ، فرّمادها موت للأحاسيس، وموت للذكريات، وموت للحنين الخفاق بين دهاليز الماضي والسارق الحاضر..

كم يحملنا هيامنا على جناحيه لنعود صغارا الى حاكورة البيت، ونلطخ ثيابنا التي لا نملك غيرها بغبارها، ونتراقص مع صيحات الجدود والأباء علينا، ونقوى بدعاء الأمهات والجدات، ونعود لنأكل من اتون النار، ما كرموا به علينا من خبز مقمر صنعوه بمحبه شاكرين الله على نعمته، ونخلد للنوم دون هموم الدنيا، وإذا لم يسرقنا النعاس نسهر على ضوء سراج جمّع العائلة على فتيله، تلك اللمة التي خلّت من نوايا السوء، واعتمرها حب الاخر للآخر، كيف لا نحّن وبتنا نملك اليوم كل شيء وخسرنا أنفسنا.
ينابيع الشوق هي ان تعود الكرامة سيده الموقف، بالله عليكم، اين الكرامة بحياتنا المتمدنة بكل ابعادها واطيافها، وبتنا بعصر الكل يعيش على هواه، لا الأعراف التي بنت حضارتنا لها ركن ببيوت الأمه، ولا الأنماط التي سيّرتنا تقود السائقين المتهورين المهرولين الى هاويه المتاهة الممزقة المشتتة لفكر وحضارة.
تشتاق عندما تصل الى مكان الا رجوع، وكأنك عاجز امام التغير لواقع حتمي، لا يعيش بجوارحك ولا تقترن به افكارك ولا تمتزج معه روحك.
في هذه العظة اخترت السرد الأكاديمي، علّني ألامس فكر جياش يحيك فكري بفكره تواصل، حتى نقف منتصبين عن خشاب كرسي مهزوز، ما يلبت ان يصدمه شيء حتى تتخلخل خشباته ليسقط ارضا هو وخشابه والباقين عليه.
قمت ببعض الدراسات والمراجعات للكثيرين من علماء علم النفس وعلماء علم الاجتماع، حول كينونته التغير وتغير برمجه التفكير، بين حقّبات زمنيه متقاربه، وصّلت وجّلت بالأبعاد حتى بدأت مع كل مرحله وتفنيدها، أكون لذاتي ولكم صوره تصور واقعنا المرير.
ولكيلا اعقد القارئ بفك الرموز المبنية، على الاستبيانات العلمية أخدت على عاتقي ان اجعل الشروحات سهله بقدر المستطاع بإيجاد نقاط التقارب والابتعاد بين الحقبات بتجسيد واقعين مختلفين، الماضي منه وحاضرنا، وصدقا كان التحدي كبير فمهما لطفت سرد المعاني ستبقى موجعه بالأخص لمن عاين الأمرين.
التأثير الأول الذي سأمخر بعبابه هو:
الدين
كان بالماضي وليس ببعيد الدين هو الأب الممنّهج للمجتمع بأطيافه، ورويدا رويدا تقلصت سلطه نفوذه على العامة وأبقى على الخاصة، الا ان أصبح اهل الخاصة متنازعين فيما بينهم على عامه الخاصة عندهم.
لم يقتصر بالماضي دور رجال الدين > جميع الأديان< على تقديم الصلاة فقط بأيامها المتعارف عليها، بل اتخذوا لنفسهم التربية الروحية والمتابعة لأبناء الرعية، وكانوا قريبين للناس وهمومهم أكتر من اكتراثهم لأمور الإدارة والتدبير، كانوا مع المريض بمرضه، ومع الفرح بفرحه، ومع الموجوع بآهاته، ومع المحتار بإعطاء الاستشارة.
لا أقول ان هذا انقرض بعهدنا، لكنه تلاشى الى ان أوصل المتأرجحين بين اختيار الارضيات والروحانيات، الى تساءل لم يتجرأ أحد ان يطرق بابه، فكيف بالأحرى انا وأعتبر نفسي تابعا للجزء الروحاني لا الأرضي.
يتطرق علماء علم الاجتماع الى ابعاد المشاعر بالمواقف المتشابكة بحياة كل واحد منا، ولأبقي على الموضوع أخترت المفارقة التأليه وابعادها
عندما يكون أحدهم على فراش الموت، فهو الأكثر حاجه الى المواساة، وأهله كم يخفف عنهم الكلمة الطيبة، وما اطيب من اقوال الله على النفوس،
كان لي حديتا مع الكثيرين من الأشخاص المستائين حين كنت اعزيهم بفقدان أحد أبناء العائلة، وبدأ الحديث بعض ان صبوا غضبهم على احدى رجال الدين، الذي وصل للعزاء قبل انتهائه بدقائق معدودة، وبعد ان غادر قال أحدهم، أثبات وجود لا اكتر، فطلبت ان يفصح وقال، النا مده نعاني ولا سألونا سؤال، ولا زارونا زيارة، هيك الدين يا دكتور..
فاهتديت الى قدسيه ما قيل بهذه الواقعة > اسمعوا اقوالهم ولا تفعلوا افعالهم..
فصاح بي أحدهم اقوالهم نقرأها بالكتب دكتور ولسنا بحاجه لهم، نحن نريدهم الحائط الساند، ونريدهم الأرض الخصبة، ونريدهم الصدر الحنون ونريدهم تاجا يزين رؤوسنا
لا نريدهم متجاهلين عن قصد وغير قصد مشاعرنا، وحتى يزوروك عليك الترجي والطلب وببعض الأحيان واسطة ... هل هذا الدين دكتور، فوقفت واستبسلت مدافعا لا تأخذوا الصالح بعزاء الطالح، الأغلبية طيبون وجيدون ومتفانون من اجل الكلمة وايصالها، فوقف أحد الشبان وهز لرأسه ناضرا الي قائلا > زمان اول تحول دكتور <
انظر الى دور العبادة بجميع الطوائف، تخلو من الأغلبية ولا يقصدها الا الأقلية، بينما بأيامكم كان العكس، وسأخبرك السبب، لم يبحت عندّها رجال الدين عن العرش بل كانوا خداما للعرش، وكم بحاجه اليوم ان يعود هؤلاء الودعاء الى توصيل الكلمة، لتعودّ الام بترديدها على أولادها، وتنمّط حياه الأسرة على الامر والنهي، ويعود الاحترام سيد الموقف..
فقلت هل تحمل الدين الانفلات الأخلاقي!!!
الدين هو الاخلاق كلها لكن هناك من لا يستحق وأصبح مستحق واستحقاقه حرم الخميرة الجيدة من الامتزاج بدقيق الشعير،

الاقتصاد
أيام الماضي كان هداه بال، هذه الكلمات تردد كل يوم على السنة الكبار منا وحتى نحن على عتبات الستّون والسبعون،
قيل الكثير من الامتثال المتعارفة، >هذا فيوا بركه < وهنا بدأت بأطلاق الأشرعة نحو تفسير ما قيل
اعتاد جدودنا العيش بالرضاء والتسليم، وكانت قناعتهم ان الرزق من الله سبحانه وتعالى، وكيفوا أنفسهم للعيش بمنظومه الموسمية بالمنتوج، ولم تكن امالهم مبنيه على أكتر من العيش بالحلال وتربيه الأولاد، وبناء البيت والتعليم لمن رأوا به اهلا لهذا..
اما اليوم اضحينا بعصر العولمة وبعصر الكل متاح، لا نرضى الا بكل شيء، فقليلنا هو اكتر مما نستطيع، واحلامنا ان نعيش اللحظة، وديننا المال المكدس بخزنات البيوت، وعيوننا دائما على حديقة الجار، حتى أصبحت العائلات كلها بين فكي الرمال المتحركة، تشدها الديون الى أسفل بسلاسة، حتى اضحى الاجرام متمّختر على ازقه البلدان والبلدات، وشّرع الذي لا يشرّع من اجل حرب البقاء، وتراكمت العوامل الدخيلة المكللة بفكر شيطاني لتترأس إحداثيات التعامل , فنبت الرياء على ضفاف المسالك , وتعاضض مع أخيه النفاق , ليصبح الطريق معبدا بظلمه الهلاك ويشع ببريق نور لاستقطاب المتنغمين على سيمفونياته الى ان باتت كل الطرق الأخرى شبه خاليه وهو سبيل مكتظ .

التربية
احن الى ابي، وسوط ابي، وهيبة ابي، وحنين ابي، وقساوة ابي، ولا أنسى التوجيهات التي لم أكن اقبلها لجهلي بما ستعلمني الأيام انفا
وكم كانوا يريدون لنا العيش تحت غطاء الألفة، والسمعة الطيبة، وكان جل اهتمامهم ان يسمعوا الاطراء الأوحد الشافي لتربيتهم > ونعّم التربية< ها نحن نحاول جاهدين ان نمزج ما بين ما تلقيناه وما تعلمناه لننقله لأولادنا وكل محاولاتنا تبوء بالفشل، لماذا ....
لأننا دخلنا عالم التقليد وعشناه، لبسنا توب الخداع وكان على مقاسنا، ومن خدعنا، خدعنا أنفسنا.. كيف نرضى للانفلات ان يدق أبواب البيت ويدخل عتابها، هل نحن جبناء، ام متيقنين باننا سنخسر المعركة، شبابنا تتبرج بالحلّق والحلي والشعر الطويل، والهاتف المحمول الهام الفتيات ومعلمها، والطالب محصن امام مدرسيه بالقانون حتى هجره هؤلاء بالانصياع وانعكست أضواء المرآه بضلالها المعكوسة وكأنها تقول على الكبير احترام الصغير وعلى الصغير ان لا يطيع.
الاجتماعيات
من منا لا يحن الى ليالي العيد والزيارات التي كانت تطفي برونقها روح التعاضد والتأخي، الكل يسأل خاطر الكل، البيت يجمع أبنائه واحفاده بين جدرانه، المعنى الحقيقي كان يتجلى بالانتماء والمحبة والوفاء لقدسيه العائلة
اليوم حدّت ولا حرج، البيوت كبيره وصدرها ضيق، العائلات يسكنها الجفاء، وتقتصر الليالي على الاب وأولاده، وهيهات ان وجد الوقت لزيارة الناطر له.
اعراسنا ما اكترها وما اقل بهجتها، اين سواعد أبناء العائلة التي كانت تجتمع لتخطط وتدير الفرح على أبهى صوره، لمدا تحولت هذه الزنود الى غير مرغوب بها وباتت المشاركة مترتب عليها المنفعة من الهدية، وأصبح يختّصر دعوه عظام الرقبة الى العرس، من هنا يبدأ الانشقاق والتمزق ويدخل الصدأ بالالتحام الاجتماعي

كنت أتمنى التفنيد أكتر ولكن مساحة النشر بالمواقع تأول لدون هذا، لذا سأختم بملخص اعتبروه صرخة الديك للصلاة
- اجعلوا مكانا للرجل المناسب بالمكان المناسب ولا تعطوا الحسب والنسب ان يأتينا بكل من هب ودب لأن عقليه التوريث ستستبان عواقبها جيل بعد جيل

- عودوا الى الله والحكمة بإدارة اموركم وشؤنكم، وتريثوا واهتدوا بما اتيتم من رسائل وتبشيريات،

- افعلوا الصالحات وكونوا قدوة يهتدى بها، فللمهتدى به سلطان على تبعيته

- تعالوا عن علو الذات، وزيف البسمات، وخفض الأصوات، فلا يوجد أضعف من فحيح الافاعي ولا اخبت من سمومها

- إذا اردتم رجم أحدهم فارجموا الشيطان، ولا تتراشقوا الحجارة بين اخوه البيت الواحد، ولا تتنصتوا ولا تنصتوا لإبليس

- إذا كان الاختلاف من اجل المصلحة العامة فحولوه لحوار لا للإبعاد عن دائرتكم لأنكم بهذا ستبعدون عن الدوائر الأخرى

- قدسوا الوصايا ولا تعدوها ان كانت عشره ام سبعه ام عشرون فهي منهج حياه مستقيم

- اياكم والخبت، اياكم واللئم، اياكم ودس السموم، اياكم بتعكير الصفا، اياكم واشهار السيف بدل الكلمة الطيبة

- اياكم والنميمة، وسوء النوايا، اياكم والكبائر، اياكم اقتناء الصدفة والتخلي عن الجوهرة

- اياكم الاحتكار ونعت الاخرون بالصغار وتلقبون ذاتكم بالأسياد، فالصغار احجار الزاوية

- اياكم ادعاء المعرفة اكتر من غيركم، فقل للمدعي فلسفتا علمت شيئا وغابت عنك أشياء

- اياكم ان لا تلاحظوا الوردة الحمراء على شواطئ الأيمان، وان تتجاهلوا الجالس تحت شجره التين

- اياكم ان لا تقتدوا بسراج الليل حيت امتلئ الجبل بالسماق، وبطهر الأركان الأربعة المتبقية

- اياكم ان تلعبوا دور هيروديا مع يوحنا المعمدان

- اياكم ان تتنازلوا عن شخصيه مجتمعنا واعرافه بأطيافه، عندنا ما يوحدنا اكتر مما يفرقنا، ومن هنا ارفع صوتي الى باري البرايا، ان يرفع عن الخطايا ويعطينا من عطاياه عطايا، وينزل علينا الرحمة والرأفة فنحن بأمس الحاجة لها الان اكتر من أي أوان لعلنا نهتدي ونستقيم بتعاملنا الواحد مع الاخر وعندها ستكون ينابيع الشوق ساقيه لمعرفه الله ودروبه وشرعه، وما أجمل ان نكون صالحين بعين الرب.

اخوكم الدكتور الشيخ محمد زيناتي







 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]