نعم التنافس مع الذات هو أفضل وأرقى تنافس، وكلما تنافس الإنسان مع ذاته تطور بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس، ولا يكون الغد كما هو اليوم. وإذا لم نكن نمتلك القدرة على محاورة أنفسنا فإننا لن نتمكن من محاورة الآخرين بصورة موضوعية راقية وحضارية، وعليه باعتقادي كل مخلوق على وجه البسيطة يحتاج أن يجلس مع نفسه مطوّلا ويُجري حوارًا صريحًا وجريئًا مع ذاته ليراجع شخصيته ويصل إلى الاستقرار النفسي ومحاسبة ضميره.
وهنا يحضرني قول فريدريك: "لا يمكن للإنسان أن يبقى حبيس حياته الروتينية، ولا أن يبقى يتحسر ويعيش الألم بداخله دون أمل في التغير".
رغم أنه يؤكد أن الأمل هو أسوأ الشرور بحيث يطيل بداخله عذاب الإنسان، وعليه استمررت في الحوار الثاني الذي سيكون الأخير للنشر كي لا يكون تكرارًا، فأنا بصدد تحضير لإصدار كتاب بهذا الموضوع الواسع الشائك والمركّب.
في الحوار الأول كانت قد قالت لي نفسي قد تهربت متعمدًا من عدد من المواقف والأسئلة؟!
وعن الحياة والموت قالت لي نفسي المتهورة: الحياة ما هي إلَا مرض مزمن ومؤلم لا يمكن علاجه إلَا بالموت.
قلت لها: هذا استسلام وهروب
وبدأت حوارها عن الموت والحياة.
قلت: الموت فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان، ويبقى الموت الحقيقة الرّاسخة، هذا اللعين يتمتع بدمار خارق فهو بارع في اختطاف الأحبة وزرع الحسرة واللوعة في القلوب.
أنا يا نفسي أعاني من لوعة الفراق وقلبي ينزف ولم أدفن أحبتي في ظلمة القبر، ولا أدع التراب الأسود والحجارة الصلبة تحتضنهم، بل في القلب والذاكرة إلى أمد بعيد.
وعن الغربة قالت: إنها تجعل قلوبنا رقيقة لا حصان لمشاعرنا فيها.
قلت لها: الغربة عندي أن أفتش عن وجه أعز الناس في كل مكان ولا أقول بعد اليوم خبز الوطن خير من كعك الغربة بسب المستجدات التي تشهدها الحلبة السياسية، فلا وطن، وأعود وأكرر قولي، لقد ولى الزمن الذي كان فيه أهلنا يخافون علينا من الغربة وأصبحنا في غربتنا نخاف عليهم من الوطن.
وعن العطاء ما هو في نظرك؟
المهم طريقة العطاء أفضل مما تعطي، والعطاء لذة لأنه استمرار للحياة والحب والتفاؤل، وأن تعطي المحتاج صنارة خير من سمكة!
وعن الباطل - لا واقع له ولا يمكن أن يصبح حقا عاجلا أو آجلا وقد يكون مزعجًا، ولكن فقط عند الذين اعتادوا ترويجه.
قلت: دولة الباطل مؤقتة ودولة الحق تبقى حتى قيام السّاعة ، وحين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق.
الأول ينطق به والثاني يفهمه ويتقبله، ونصرة الحق شرف ونصرة الباطل سرف والضمير هو صوت الحق والحرب لا تحدد من هو صاحب الحق وإنما تحدد من يبقى.
إنك تكتب دون توقف لماذا؟
قلت الكتابة رفيقة دربي، متعة وغذاء العقل والروح، ووسيلة للتنفيس عن مكنونات النفس الداخلية، تفتح آفاقًا جديدة وتُنمي القدرات.
وأنا يا نفسي، ما دمت أؤمن بصدق مشاعري، اكتب ما يجول في خاطري ولم أغير أفكاري من أجل حرية التعبير مهما كلّف الأمر.
وعن مخير ومسير قالت إنه موضوع شائك مركب وذو أهمية قصوى وعليك التطرق إليه بكل حذر ومسؤولية.
قلت لها: برأيي لا يقال إنسان مسير ولا يقال إنه مخير بل محكوم بقضاء الله وقدره، فالقول بأنه مسير كأنه ملم بالأفعال دون إرادته ومخير كأن عنده إرادة مطلقة، لا تتعلق بإرادة الله وخلقه وكأن الله لا شأن له بفعل العبد وهذا غير دقيق فالإنسان مسير في غير الأمور الإرادية، كيف يرزق؟ متى يفارق الحياة؟ والحركة اللا إرادية في خفقان قلبه أو حركة دمه، أهو مسير مسير فيها ؟
الإنسان مخير ومسير، هو مسير فيما لا يعلم، وأيضا مسير لما خلق له أما كونه مخيرا فيما لا يعلم فلأن الله أعطاه عقلا وسمعا وإرادة ليميز بهما الخير والشر، وما يلائمه أو لا يلائمه، وإن كان مخيرا فهو مخير في كل شيء أو مسير في أشياء، فعلى سبيل المثال لا يكون مخيرا أين يولد ولمن يولد وهل يولد أنثى أو ذكرا ، وما لونه وشكله لكنه مخير في كل تصرفاته وسلوكه،
[email protected]
أضف تعليق