بقلم: راضي شحادة
كانت مصادفة تلاقي يوم زفاف الفنان الفقير "زريف الطّول" وعروسته الحسناء "زريفة"، والعريس "عبد" ابن الغني "أبو العبد" وعروسته "عبيدة"، مع "يوم الأعمال الخيرية" في قرية "الفرعة" في النّقب قريباً من منطقة "عراد"، فقرّر "أبو العبد" أغنى أغنياء البلد، اي والد العريس عبد، أن يَكْرَم بخيراته على أهالي "الفُرعَة" بأن قدّم لهم ألذّ ما طاب من الطّعام والشّراب؛ لا بل إنّه دعا أغلى مُغنّي أعراس في فلسطين، والذي بدوره قدّم مع فرقته الموسيقيّة الحماسيّة أجمل الأغاني وأنغم الألحان، فدفع "أبو العبد" الغنيّ للمغنّي وللفرقة مبلغاً وقدره... علاوة على المبلغ المـُتّفَق عليه، بالإضافة الى مبلغ وقدره أصرّ ابو العبد أن يدفعه لعازف المزمار الفقير "زريف" عن أجره قبل أن يجفّ عرقه هو وفرقة دبكته الرّائعين؛ فأبو العبد حريص على دعم الفنّانين الأصيلين من أبناء شعبه، وخاصّة إذا كان هذا الفنّان جاره الأصيل وهو من أهم عازفي اليرغول في العالم، لولا أنّ "زريف" أصرّ بأن يقدّم عرضه مجّانا مع فرقته من الدبّيكة والدّبّيكات، طامعا مقابل ذلك أن يوافق "أبو العبد" على طلب "زريف" بأن يطلب يدَ الحسناء "زريفة"، ما حدا بوالدها الغنيّ بالرّفض القاطع بحجّة أنّه يودّ تزويجها من إنسان غني،ّ حتى ولو كان فنّاناً، شريطة أن يكون غنيّاً وبمستوى وعلو شأن أبو العبد". وبين كرّ وفرّ اقتنع "أبو العبد" بأن "الطّمع ضرّ وما نفع"، كما يقول المثل، فالمهم الوفاق وتقدير الفن والإبداع،؛ فتزيّن النّقب بعُرسَين كثيفين بالفرح والسّعادة لابن "ابو العبد" ولابنته.

طمأنتنا المعلمة "هدى" أنّ حفل العرسين سيكون تحت خيمة أفراح قرية "الفُرعة"، في ساحة المدرسة، وأنها تتوقّع حضور ستمائة شخص؛ وإذا بوفود المدعوّين يتوافدون زرافات زرافات وهم يحملون كراسيهم على رؤوسهم، فالدعوة عامة وبدون "نقوط"، بناء على شرط مسبق من قِبل أبو العبد، وبخاصّة في يوم الأعمال الخيريّة، وكل المصاريف مهما بلغت من مال فهي على حساب "ابو العبد"، ولكن على الأقل يتطوّعون بكراسيهم وبالحصر العربيّة لكي يضمنوا لهم أماكن جلوسهم، وهم في قمة تعطّشهم للمشاركة بالضحك والتّصفيق خلال فقرات الحفل.
كم كانت هذه الجَمْعَة جميلة مع أهلنا في النّقب الحبيب، المحرومين من قاعات مناسبة لأفراحهم ولمدارس أبنائهم، وقد عوّضوا عن ذلك باكتفائهم بجَمعتهم الحميمة وحماسهم وتعطّشهم للفرح والسّعادة، عوضاً عمّا يحيطهم من خناق وعدم استقرار ومضايقات تنغّص عليهم عيشهم. كم كانت الفرحة تامّة ومُشعّة بالسّعادة وهدأة البال، وعُقبى للمعوزين للأعراس في أفراحهم القادمة.

قلت للاستاذ "عوني شقّور"، المشرف على تنظيم الحفل، وعلى الحفاظ على النّظام، وعلى ضمان سير الاحتفال بالشّكل الدقيق واللائق، قلت له: عادة نحن نعرض هذه المسرحية، (طبعا الحديث هنا عن مسرحية "زَريف" لمسرحنا مسرح السّيرة)، فقط أمام جمهور لا يتجاوز عدده 200 مشاهد، بينما المعلمة "هدى" أكّدت لنا أن العدد هو فقط 600 مشاهد؛ وفجأة وإذا بنا نتواجه مع جمهور يربو على 900 مشاهد، وبما أن عدد سكان قرية "الفرعة" 4500 نسمة، وبما أن غالبيّة السُّكان من الأطفال والأجيال الشّابّة، فجمهور عرس "زريف وزريفة"، و"عبد وعبيدة"، يشكّل خمس عدد سكّان القرية.
قال الاستاذ عوني بثقة: اولادنا متعطشون لمسرحيّاتكم، وهم مؤدّبون جدا، وعند التّفاعل والمشاركة يتفاعلون بحماس ويشاركون بفرح. إطمئنّ، وستنبسطون بفعل انبساطهم.
لأول مرّة نعرض مسرحيتنا "زريف" أمام هذا الكم الهائل من المشاهدين، وكم كانوا رائعين ومنضبطين عند الانضباط وضحوكين ومشاركين عند الحاجة لذلك.
شكرا مدرسة "الفرعة أ"، وكم نفتخر بأهلنا في النّقب الحبيب، وكم تزداد فرحتنا عند عودتنا الى الجليل معبَّئين بِرِضى أهلنا في النقب وبسعادتنا لسعادتهم.
*راضي شحادة: كاتب ومسرحي وروائي ومدير مسرح السّيرة من الجليل الأعلى.




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]