بقلم: المحامي د. قيس يوسف ناصر
(دكتور في القانون، جامعة تل ابيب، وباحث بوست دكتوراة في القانون، جامعة رايخمان)


وفق مشروع "التعديل القضائي" المزعوم يراد منع المحكمة العليا من مراقبة وابطال القوانين التي تسنها الكنيست وان كانت باطلة، ويراد تمكين الكنيست من التغلب على اي قرار تصدره المحكمة العليا ومخالفته، ويراد أيضا السيطرة على منظومة تعيين القضاة المتبعة. بل يراد ان تتوقف المحكمة عن مراقبة قرارات الحكومة حتى لو كانت غير منطقية ومعقولة! وبالتزامن مع هذه التشريعات يتم العمل على تدمير وظيفة المستشار القضائي للحكومة لضمان ولائه التام للحكومة وعلى اختيار المستشارين القضائيين للوزارات وفق ولائهم للوزير المعني!
ويبرر المبادرون لهذا المشروع الفاصل في تاريخ الحكم والقضاء في إسرائيل موقفهم بادعاءات مختلفة تنزع الشرعية عن الجهاز القضائي ودوره في الحفاظ على حقوق المواطن وسيادة القانون والديموقراطية. هي ادعاءات خاطئة وكاذبة، وهذه بعضها:
الادعاء الأول، الديموقراطية هي حكم الاغلبية ولذلك لا تستطيع المحكمة ابطال قرارات الاغلبية. غير صحيح: الديموقراطية هي حكم الاغلبية شرط الحفاظ على حقوق الفرد وسيادة القانون ونزاهة الحكم. غير ذلك تكون الديموقراطية استبداد الاغلبية! السلطة القضائية وجدت لتراقب وتضمن ان لا تتعدى الاغلبية ممثلة بالحكومة هذه الخطوط الحمراء.
الادعاء الثاني، المحكمة العليا تبطل قوانين الكنيست مع انها غير مخولة بذلك. غير صحيح: صلاحية المحكمة العليا لابطال قانون غير دستوري موجودة في قانون اساس: القضاء، قانون اساس: كرامة الانسان وحريته وقانون اساس: حرية العمل، ووفق هذه القوانين تستطيع المحكمة العليا ابطال قانون يمس حقوق الفرد والحريات وسيادة القانون بشكل سافر.
الادعاء الثالث، المحكمة العليا فعالة جدا وهي تتدخل في كل قانون وقرار للكنيست. غير صحيح: منذ قيام دولة اسرائيل لم تبطل المحكمة العليا سوى 22 مادة في قوانين مختلفة وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بالمحاكم العليا للدول الديموقراطية الاخرى في العالم. بل يمكن القول انه في القضايا الحساسة والمثيرة للجدل امتنعت المحكمة عن التدخل في قوانين وقرارات الكنيست، والامثلة على ذلك عديدة.
الادعاء الرابع، القضاة يعينون انفسهم ولذلك يجب تغيير منظومة وهيئة لجنة تعيين القضاة لاحراز سيطرة تامة من قبل الحكومة على تعيين القضاة. غير صحيح: لجنة تعيين القضاة تشتمل على تمثيل لقضاة المحكمة العليا، وزير القضاء كممثل للائتلاف، المعارضة ونقابة المحامين. ولا تضمن هذه التركيبة سيطرة أكبر لأي طرف في اللجنة بل تدفع اعضاء اللجنة ان يتوافقوا على مرشح مقبول على الجميع.
الادعاء الخامس، المحكمة العليا دون المحاكم في العالم تفعّل معيار "المعقول" لتبطل قرارات الحكومة التي تجدها المحكمة غير معقولة الى كبير جدا. غير صحيح: ان معيار "المعقول" هو معيار ورثه القضاء الاسرائيلي من قضاء الانتداب وتم تطويرة مبدئيا من خلال استيعاب سوابق عديدة من القضاء الامريكي والبريطاني. يقضي هذا المعيار ان تتخذ السلطة الادارية قرارها بعد فحص كل المعطيات ودراستها ومراعاتها والوصول الى القرار الانسب والمعقول وفق ظروف الموضوع، والمحكمة العليا نهجت في هذا المضمار كسائر محاكم الدول الديموقراطية.
إذن، مشروع التعديل في الجهاز القضائي يسوّق بشكل كاذب ومغالط للجمهور: هو ليس تعديلا بل انقلاب قضائي وتغيير متطرف لنظام الحكم في البلاد، وهو يستند الى مبررات غير صحيحة علميا وواقعيا!
الجهاز القضائي في اسرائيل ليس كاملا وليس الافضل وخاصة بما يمس المجتمع العربي وقضايا الاحتلال، ولكن مرام الحكومة ليس تحسين عمل الجهاز القضائي بل القضاء عليه! مرامها ليس السيادة وفق القانون بل استبداد المواطنين! عرب البلاد والفلسطينيون في الاراضي المحتلة هم الاكثر تضررا من هذا الانقلاب، لأنه ان تحقق ستبيح الحكومة لنفسها كل قانون وكل اجراء ضدهم. تنبهوا تنبهوا! 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]