أثار تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالمصادقة على الاقتراح الفلسطيني لطلب رأي من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الاحتلال الإسرائيلي، اثار مرة أخرى ادعاءات اليمين الإسرائيلي بشأن الظلم تجاه إسرائيل على الساحة الدولية. الادعاء السائد أنّ هناك أغلبية تلقائية من الدول التي تدعم الحقوق الفلسطينية، وبالتالي فإن ساحة الأمم المتحدة تميز ضدنا. في نقاش كان على شاشة برنامج "المقر المركزي"، على القناة 13، والذي شاركت فيه، ادعى المحامي تسيون أمير أن محكمة العدل الدولية في لاهاي سياسية ولا تحكم وفق قانون الدوليّ، لأنها تعبر عن موقف معظم دول الأمم المتحدة، المعادية لإسرائيل.
تحظى محكمة العدل الدولية في لاهاي بمكانة كبيرة في المجتمع القانوني الدولي منذ عقود، والأحكام الصادرة عنها تحمل ثقلاً كبيرًا. لم يكن من الممكن الوصول إلى هذه المكانة لو كانت المحكمة سياسية ومنحازة في أحكامها. على أي حال، فإن هذه ادعاءات، مما يعني تسييس القانون الدولي، تبدو غريبة خاصةً عندما تأتي من نفس المصادر التي تحاول أنّ تشرح لنا لماذا يجب أن تكون المحكمة العليا الإسرائيلية سياسية، وأن يتم انتخابها من قبل السياسيين، وفقًا لوجهة نظر سياسية، وأنّ تعبر في أحكامها عن موقف الأغلبية دون علاقة للنص القانوني، واذا ما تم ذلك، فأن الأغلبية قادرة أنّ تنقلب على الحكم من خلال قانون "فقرة التغلب". وبالمناسبة، عند الحديث عن قرارات الأغلبية لنتذكر أنّ في الساحة السياسية، تنشط إسرائيل مننذ حوالي العقدين، اعتمادًا على الولايات المتحدة، من أجل إحباط "اغلبية" في قرارات الأمم المتحدة.
خلال السنوات، امتنعت الأمم المتحدة من فرض عقوبات ضدنا بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن- فيتو، يتم استغلاله نظرًا وأنّ موقف إسرائيل حيال القضية التي يصوت عليها يحظى بدعم أقلية فقط. على سبيل المثال، لولا الفيتو الأمريكي لكانت فلسطين منذ مدة عضو في مجلس الأمم المتحدة، وايضًا مفروض علينا عقوبات بسبب الاحتلال الدائم.
العقوبات التي تقوم حكومتنا بفرضها على الفلسطينيين اثر توجههم إلى هيئات الدوليّة، ليس إلا وقاحة، وتسمية هذه الخطوة بـ "إرهاب دولي"، هي السخافة بكل تجلياتها. النضال السياسي الفلسطيني هو النقيض التام للإرهاب. الساحة السياسية والحقوقية تأسستا ليتم استغلالها دون إراقة الدماء. الرفض الإسرائيلي لكل توجه إلى هذه الساحات، يلقي بظلاله على الإدعاءات المبررة ضد الإرهاب، وهي استعمال العنف ضد المدنيين. وقياسًا بذلك، اتهام المجتمع الدوليّ باللا-سامية عند وقوفه إلى جانب حقوق الفلسطينيين، هي ترخيصًا للموضوع، وتحويل مفهوم اللا-سامية إلى خالٍ من المضمون، ويمس بالنضال العادل ضد العنصرية وكراهة الأغيار لليهود.
يجب أنّ نتذكر أنّ إسرائيل حصلت على الشرعية الدولية لتصبح دولة بفضل الأمم المتحدة وأنّ المحاكم في لاهاي تأسست كجزء من دروس الحرب العالمية الثانية لتمكين منتدى دولي معترف به لحل النزاعات وكذلك لمنع جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبة مرتكبيها.
هناك خط مباشر بين معارضة إسرائيل للمحاكم القانونية الدولية وسياسة الحكومة الحالية للإضرار باستقلال محاكمنا، مما يعني، المس بحماية الأقليات هنا.
الضرر الذي سيُلحق بالنظام القانوني، سيمنعنا أيضًا من تلقي الحماية والدعم في مؤسسات الأمم المتحدة، لأن الولايات المتحدة، وغالبًا أيضًا الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، تحمينا في الهيئات الدوليّة على أساس أننا ديمقراطية وأن لدينا نظام قانوني مستقل. دون نظام قانونيّ مستقل يحمي حقوق الأقليات من استبداد الأغلبية، لن تكون هناك حماية لإسرائيل في المؤسسات الدولية، ومن المستحيل الاستمرار في الادعاء بأننا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنّ معظم الدول ضدنا لأنها تفتقر إلى الديموقراطية، في ذات الوقت الذي نقوم فيه بسحق الديموقراطية في إسرائيل.
الادعاء بأن العالم بأسره ضدنا يمكن أن يصبح نبوءة تحقق ذاتها إذا واصلنا احتلال وانتهاك حقوق الأقليات وإلحاق الضرر بالهيئات التي تسمح لنا بأن نكون جزءً من المجتمع الدولي للديمقراطيات الليبرالية، التي تحترم القانون الدولي.
[email protected]
أضف تعليق