عائد عبد الحميد زقوت

ما قام به الإرهابي الوغد بن غفير من اقتحام للمسجد الأقصى لم يكن مفاجئًا لأحد، ولم تكن خطوة شكلية لإرضاء جمهور ناخبيه إنما جاءت في إطارها الأصولية المتطرفة، وضمن خطة واضحة المعالم والأهداف بدأتها دولة الاحتلال منذ العام 2017 والتي أجهضتها الجماهير الفلسطينية في حينه فيما أطلق عليها هبة البوابات الالكترونية ، مما دفع دولة الاحتلال إلى تغيير سياستها التقليدية واعتماد سياسة التدرج في هذا الشأن، وما أقدم عليه بن غفير ما هو إلا جزءٌ منها في إطار الخطة الشاملة التي ترمي إلى تهيئة العالم للقبول بعنصرية الاحتلال ودعمه في مخططاته في إقامة الرايخ الثالث أي الامبراطورية الاسرائيلية الثالثة المستندة حسب الرؤية التوراتية على طرد الفلسطينيين من أرضهم وتحويل ما تبقى إلى رعاع في خدمة هذه الشرذمة ممن لفظتهم الأرض من شتى أصقاعها.

الاقتحام الدنيء لابن غفير تحت حماية الأمن ليؤكد على أن الاقتحام ليس فرديًا بل ضمن توافق حكومي، ولن يكون الأخير، وأنّ الاقتحامات سواءً من بن غفير أو من التنظيمات التلموذية الإرهابية ستستمر ضمن السياسة المتدحرجة لضم الضفة الغربية وتهويد القدس وبناء الهيكل داخل المسجد الأقصى.

ما يشجع إسرائيل على تنفيذ هذه الاستراتيجية حالة الوهن العربي المتساقط في براثن التطبيع، والانشطار الفلسطيني، مما يعني أنه لا يوجد ما يضطر قادة إسرائيل إلى التعاطي مع الحلول السلمية وفق القرار 181 أو على الأقل التعاطي مع تلك المبادرات الأقل سقفًا منه، ناهيك عن تبنيها خطة لإحلال السلام المزعوم، فالسلام الذي تعنيه وتعتقده حكومة نتنياهو الأكثر خطورة وتطرفًا وفاشية وهو السلام مقابل السلام، فالسلام بمفهوم نتنياهو يعني استمرار الاحتلال والاستسلام له.

‏الحالة الصفرية التي يحاول الاحتلال تصديرها للفلسطينيين، وإشاعة حالة الإحباط واليأس من خلال إظهار غطرسة القوة، والمضي قُدما في تنفيذ الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة الجديدة الذي يستهدف القفز على الحقوق السياسية للفلسطينيين في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة، وكذلك العمل على توسيع مشروع الديانة الابراهيمية باستقطاب المملكة السعودية إليها متخطيًا القضية الفلسطينية.


‏الاستعلاء الصهيوني وغطرسة نتنياهو أوهمته أنّ مثل هذه الممارسات ستأتي أُكلها، لكنه تناسى أن الشعب الفلسطيني حي لا يموت حاضر بثقافته وتراثه وكفاحه ونضاله كالجبال الراسيات، وما الجماهير الهادرة التي احتشدت في الميادين كالطوفان الهادر وموج البحر العاصف رغم الحصار والآلام والظلم الواقع عليها إلا تأكيدًا على حيوية الشعب ورغبته في الحرية والاستقلال، وعزمه على تحدي التهديدات التوراتية السادية بكل أشكالها وسياقاتها، وإصراره أيضًا على رؤية النور في آخر النفق المظلم، وفتح آفاقًا جديدة لمستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده.


‏الصورة المشرقة التي عبرت عنها الجماهير الفلسطينية في الساحات المختلفة تستدعي من القيادة التقاط اللحظة وفهم الرسالة الجماهيرية فهمًا صحيحًا في سياقها الوطني بعيدًا كل البعد عن الحسابات الحزبية، ويتأتى ذلك من خلال تعظيم الانحياز الشعبي لقضاياه الوطنية على قاعدة تخلي قيادة الشعب وفصائله عن عجرفتها، والاعتقاد بالمنطق الواحدي للحقيقة الذي إذا ما تم التخلي عنه واقعًا ملموسًا سيقود بالضرورة إلى إنهاء حالة الانشطار الفلسطيني الداخلي لجهة إرادة سياسية رشيدة نابعة من مصلحة الشعب الفلسطيني القادرة على إنهاء الانقسام الذي يمثل وبغض النظر عن أسبابه ودوافعه، والجهات التي تعمل على ترسيخه أكبر العوامل وأخطرها على الإطلاق على القضية الفلسطينية، لأنه لا يمكن لأي جهة اقليمية كانت أو دولية أن تتعامل استراتيجيًا مع نهجين فلسطينيين مختلفين، وهذا يعني عدمية القدرة الفلسطينية وحتى العربية على التصدي لسياسات الاحتلال على كافة الاتجاهات مما يوجب على الفصائل والقيادة الرسمية أن يتوفر لديها ليس إدراكًا وقناعًة فحسب إنما عقيدة راسخة بأنّ الطريق والنهج القائم في إدارة القضية الفلسطينية خارجيًا وداخليًا، والاعتقاد بأن المجتمع الدولي يمكن أن ينوب عنا في مواجهة الاحتلال، أو الاعتماد على التحشيد الجماهيري الشعبوي بكافة أشكاله بعيدًا عن الاستراتيجيات الوطنية يشكل تهديدًا أعظم وأكبر بمراحل مما تشكله حكومة الاحتلال بأقطابها المتطرفة.


استمرار القيادة الرسمية والفصائل الفلسطينية بالنوء بكلكلهم عن الحقيقة الواضحة، والتوغل في التعامل مع القضية الفلسطينية كلكمهاء ومحاولة العبث المستمرة بالتمثيل العقلي للمجتمع لن يُمكِّن الجميع من احداث اختراق نوعي وتحول استراتيجي في مواجهة الصهيونية الدينية وقلب تهديداتها إلى فرصة سانحة لهجوم مضاد فاعل ومؤثر لصالح القضية الفلسطينية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]