بقلم: عائد عبد الحميد زقوت
بعد إعادة انتشار القوات الأميركية خارج الشرق الأوسط لدعم استراتيجية خطة إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ، حيث أعطى هذا النهج الاستراتيجي الجديد الأولوية لقيادة المحيط الهادئ بالنسبة لمعظم القدرات العسكرية الأميركية لمواجهة روسيا والصين، حيث انعكست هذه السياسة سلبيًا على حالة الاستقرار في الشرق الأوسط، وأدى إلى احتدام الصراع في المنطقة وخصوصًا التهديد النووي الإيراني ومحاولات تأثيرها على حركة الملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن مما شكل خطرًا واضحًا للأمن الاقليمي تمثلت إحدى صوره في احتجاز الحوثي سفينة روابي الإماراتية وسفينة صيد مصرية وتهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن لمواجهة التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، هذا النهج الإيراني أظهر مدى الحاجة لإنشاء قوة عربية مشتركة تمخضت عنها القمة العربية الأميركية في جدة ابريل الماضي تحت مسمى القوة153 المشركة -CMF- التي تضم كلاً من السعوديه والإمارات ومصر بلإضافة إلى أميركا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا تحت قيادة الأسطول الخامس الأميركي وذلك لمعالجة الأنشطة الإرهابية والأنشطة غير المشروعة ومكافحة التهريب.
جاءت هذه المحاولة الأميركية لزج نفسها وبعضًا من دول الأطلسي في إنشاء القوة المشتركة للتعبير المضلل عن التزامها بميثاق كوينسي حيث التزمت أميركا بموجبه بتوفير الحماية الكاملة اللا مشروطة للسعودية مقابل إمدادات الطاقة ولكن أميركا تنكبت عن الإتفاق وأرادت كشف سماء السعودية والخليج، وأظهرت عدم جديتها في حماية أمن الملاحة ودول الخليج حيث أزالت مليشيا الحوثي من قوائم الإرهاب، وأطلقت يدهم للعبث في أمن الخليج العربي وحركة الملاحة، ورفضت بيع السعوديه أسلحة لمواجهة طائرات الدرونز وأسلحة أخرى متطورة لأجل ابتزاز دول الخليج العربي وفي مقدمتهم السعوديه لفرض استمرار تنفيذ ميثاق كوينسي بلا مقابل، ومنع دول التحالف العربي إضافة إلى مصر من تطوير العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى التي تنافس أميركا على سيادة العالم.
في خضم هذه التطورات تسلّمت مصر منتصف الشهر الحالي قيادة مهام القوة المشتركة في إطار المداورة بين الدول التي تشكلت منها هذه القوة، ولكن اللافت في الأمر ما صاحب تولي مصر من ضجيج أجوف إيراني وحوثي حيث وصف الحوثيون ذلك بالنوايا العدوانية واستخدام لهجة التهديد العلني لمصر، واعتبرته إيران مؤشر خطير وتصعيد أميركي في البحر الأحمر، وذهب البعض منهم بوصف الأمر بالمؤامرة المخطط لها بل وهناك تعمد لاختيار مصر لأنّ ذلك يمثل حاجة أميركية في ظل التنافس مع الصين وروسيا على الممرات المائية وأمن الطاقة، وأيضًا محاولة لإغراق مصر في حرب اليمن متجاهلين قصدًا أهمية الاستقرار الأمني في البحر الأحمر وقناة السويس اللذين يمثلان أمنًا قوميّا لمصر، ولكن اللافت للنظر في هذا الشأن لم يسمع أحدٌ اعتراضًا إيرانيًا أو تهديدًا حوثيًا إبان تولي أميركا مهمة القيادة ، وهل يعني ذلك أنّ أميركا كانت تغض الطرف عن النشاطات الحوثية والإيرانية في منطقة عمليات القوة 153، أو أنّ قيادتها للقوة كان بمثابة ضوءٍ أخضرٍ لإيران والحوثي بالقيام بأنشطتها في مجال الحركة الملاحية، وفي ذات الصعيد هل يمكن اعتبار السُعار الإيراني من تولي مصر قيادة القوة تخوفًا إيرانيًا حقيقيًا من قدرة مصر على حفظ الأمن والحفاظ على سلامة الحركة الملاحية في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب مما يعني تضآل آمالها في تحقيق إمبراطوريتها.
الإرهاصات العربية الرامية لاستثمار امكاناتها البشرية والمادية وخاصة دورها في تأمين الطاقة في البحث عن دور رئيسي ومؤثر في السياسة الدولية والاقليمية في ظل تخليق نظام عالمي جديد ينهي التفرد الأميركي، وخصوصًا بعد انكشاف وبشكلٍ جلي وواضح أنّ سياسة إعادة التوازن للولايات المتحدة الأميركية لن تجلب الاستقرار للشرق الأوسط، وأنّ الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية كلاعب وحيد في المنطقة العربية فتح مجالًا منداحًا واسعًا للأطماع القومية الطامحة في الهيمنة على العالم العربي، لذا أبدت هذه الأطراف تخوفًا غير مبرر من تولي مصر قيادة القوة المشتركة، حيث من المتوقع أن يلعب التكامل المصري السعودي دورًا مهمًا في وضع حد للقرصنة في حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، وتقليم أظافر المتمردين في دول التوتر العربي، مما يعزز فرص الانسلاخ عن أميركا، وإتاحة بناء نواة عربية يُشكل التكامل المصري السعودي مركزًا لها لتكون قادرة على خلق موقعًا حيويًا للنواة العربية في النظام العالمي الجديد، وتقف حائلًا في وجه الأطماع القومية وغيرها في العالم العربي.
[email protected]
أضف تعليق