كتب: عائد عبد الحميد
حطّت الانتخابات الإسرائيلية رِحالها، وكشفت عن انتقال إسرائيل نوعيًا إلى المرحلة الفاشِية الرسميّة، واتّساع نفوذ الكهانية الإرهابية الصهيونية بما تحمله من توجهات نازيّة عنصريّة خطيرة، رأينا وقائعها تترى وتطّرد لجهة تشريع قوانين وتعديل أخرى لشرعنة الاستيطان وضمّ أجزاء واسعة من الضّفة الغربيّة، وتهويد القدس، والهيْمنة على المقدّسات الإسلامية والمسيحية فيها، وفي مقدمة ذلك ما يتطلّع إليه نتنياهو من العمل على توسيع دائرة الاتفاق الابراهيمي، وحلّ الصراع العربي الإسرائيلي مُتخطّيًا القضية الفلسطينية ومتجاوزًا لها.
هذه الصورة الساطعة للموقف الصهيوني من مسار التعاطي مع القضية الفلسطينية تقودنا إلى إعادة قراءة التاريخ من جديد والوقوف على منطلقات إنشاء هذه الدولة المارقة ومن يقف خلفها، حيث أملوا علينا قراءة الأحداث التاريخية وفق رؤيتهم لحصر الصراع بين العرب والمسلمين من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى بطريقة دراكو لية مهّدت الطريق لمسلسل التّزييف التاريخي الذي سلكته الحركة الصهيونية منذ المذكّرة التي تقدّم بها الرحالة والمبشر الأميركي وليام بلا كستون عام 1891 إلى الرئيس الأميركي هاريسون، مطالبًا إياه بالعمل على عودة اليهود إلى فلسطين وذلك قبل وعد بلفور بستة وعشرين عامًا، ثم أردف ذلك موقف الرئيس الأميركي ويلسون صاحب شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها -إلا الشعب الفلسطيني-، قائلًا بأسلوبٍ نبويٍّ توْراتي إنها لنعمة إلهيّة أن يتوجب عليَّ أنا ابن القسيس أن أستعيد الأرض المقدسة لشعبها، هذه القراءة الدراكولية أفسحت المجال أمام زعيم الحركة الصهيونية هيرتزل لإطلاق مقولته الزائفة التي اجتزأها الموصومون بالعَتَهْ التاريخي، عندما زار فلسطين في مطلع القرن العشرين حين قال علينا أن نمحو الفلسطينيين من الوجود لتصبح أرضًا بلا شعب لشعبٍ بلا أرض، فأخفى الرغاليون شطر العبارة الذي يعدّ أساسًا للنهج الدراكولي القائم على القتل والتشريد الذي انتهجته الدولة الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وأشاعت الصهيونية وأتباعها المقولة مُجتزأة لتردّد بين الناس فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
ما سبق يقودنا إلى معرفة حقيقة الموقف والمفهوم الأميركي المتواتر المتبنّي والدّاعم لاغتصاب فلسطين، أنه ثابت ومستمر ولم يتوقف بل أكّده الرّئيس الأميركي الحالي بايدن بقوله لو أن اسرائيل لم تكن موجودة لأوجدناها، فالتواتر الطبقي والروائي الأميركي حول فلسطين يثبت أن المشروع الصهيوني هو من الأولويات القصوى للسياسة الخارجية الأميركية و للدلالة على أهميتها أُنيطت بالبيت الأبيض حصرًا.
إن محاولات تسييل الأيدولوجيا العربية والإسلامية للقبول بإسرائيل، والاعتراف بالحركة الصهيونية مستمرة وتكاد أن تؤتي أُكُلها، وتتحول الصهيونية حاضنة للأمة العربية والإسلامية، وسَيُمَكَن الصهاينة في هذا المناخ السياسي المتأزم داخليًا واقليميًا ودوليًا من تسييل إرادة الشعب الفلسطيني وأيدولوجيته بالمال القذر، والأطماع الحزبية والفئوية.
يشكّل استمرار التعاطي الفلسطيني الرّسمي والفصائلي والنّخبوي بِذات الأسلوب القائم تجاه الأزمة الداخلية من جهة، ومع الاحتلال من جهة أخرى وذلك بالارتكان على الأمم المتحدة خيارًا استراتيجيًا وحيدًا يكاد أن يكون منعدمًا، وأيضًا الاعتماد على الخلط العَمدي الخبيث بين السياسة والإرادة الشعبية، وتغليب العقل التبريري والتسويغي المرتهن للإرادة الانتمائية، وتوظيف الدين في قيادة القطيع الجماهيري هاجسًا على واقع ومستقبل القضية الفلسطينية، وسيزيد من نجاح الاحتلال في فرض رؤيته على الفلسطينيين سواء فيما يتعلق بكافة قضايا الحل النهائي لمشروع السلام المنشود، أو استمرار الفصل السياسي بين غزة والضفة الغربية، وسيسمح له بتوسيع دائرة التطبيع، وسيقوّض من فرص إنهاء الاحتلال وإحياء الدولة الفلسطينية وفي القلب منها القدس الشريف .
وعليه فالمطلوب من القيادة الفلسطينية والفصائل المهيمنة والمصادرة للقرار الفلسطيني بمراجعة سياساتها التي أوقعت القضية الفلسطينية في منحدرٍ يعلوه سيْل جارف من التراجعات والتنازلات والانزلاقات التي يصعب مواجهتها بذات الأدوات والشخوص في الوقت الذي يُسطّر فيه الشعب بشبابه وفتيانه وزهراته كل يوم بل كل ساعة ودقيقة ملاحم بطولية تدكّ مضجع الاحتلال، فالشعب يريد قيادة تنقاد إلى آماله وتطلعاته لا قيادة تقوده نحو المجهول، قيادة قادرة على ترجمة قرارتها، وإخراجها من حيز التجميد والانتظار والمواءمة مع مصالح وتطلعات هذا الطرف أو ذاك، قيادة تعمل على ملاحقة أولئك الإرهابيين الكهانيين المجرمين في المحاكم الدولية وغيرها، الشعب لا يريد أن يموت جوعًا، ولا غرقًا ولا حرقًا ولا قهرًا، أو أن يبقى منتظرًا الموت على أبواب السلام .
[email protected]
أضف تعليق