الكاتب: الحاخام د. عيدو فختر (38 عاماً)، حاخام رعيّة إسرائيل الصّغير في رمات بولغ في نتانيا، حاصل على لقب ثالث في الفكر اليهودي من جامعة بار إيلان، أحاضر وأكتب في مجال الدّراسات اليهوديّة والحداثة. متزوّج من دفنة ولنا أربعة أولاد.
بعد مضيّ أكثر من سنة، شارك خلالها حزب عربيّ في حكومة إسرائيل، يبدو أنّ الأحزاب العربيّة سوف تعود إلى مكانها الثّابت أي خارج دوائر التأثير في كنيست إسرائيل. لكنّ خروج القائمة الموحّدة من الحكومة لن يؤدّي إلى اختفاء السكّان العرب من البلدات العربيّة والمختلطة، فهُم سيظلّون في حاجة إلى ميزانيّات في مجالات التعليم والأمن الدّاخلي والبُنى التحتيّة والصحّة وتعزيز مكانة المرأة وغير ذلك.
كذلك لن يختفي التوتّر الذي خلّفته حملة "حارس الأسوار، بل إنّه قد يتفاقم الآن بعد حُصول حزب "عوتسماه يهوديت" على مزيد من المقاعد. لقد عادت لتطفو على السّطح الأحاديث عن القوّة والسيطرة، وتعابير من قبيل "سنُريهم من هو صاحب البيت"، ممّا يزيد من مشاعر الخوف والاغتراب، بل ومشاعر الكراهية عند البعض.
في هذا الوقت بالذّات من المهمّ أن نُسمع صوتاً آخر - صوت الاعتدال والاحترام، صوت منفتح للحوار والتعرّف على الآخر، صوت يرفض تماماً كلّ تجلّيات العُنف ويندّد بالمشاغبين ومثيري الفوضى، صوت يرفض من جهة مخالفي القانون لكنّه من جهة أخرى يقرّب الجيّدين الكثيرين الذين يبتغون العيش بسلام انطلاقاً من الجيرة الطيّبة، صوت يطالب بتحمّل مسؤوليّة الجيل الشابّ والاعتناء بتربيته على قيم التسامح والسّلام، صوت يناشد القيادات أن تكون نموذجاً يُحتذى به في كيفيّة العيش مع الآخر رغم كلّ شيء.
انعدام التمثيل السياسيّ لصوت كهذا لا يعفينا من مسؤوليّة إسماعه في أوساطنا
هل سنسمع من الكنيست مثل هذا الصّوت؟ لا أعلم. ولكنّ انعدام التمثيل السياسيّ لصوت كهذا لا يعفينا من مسؤوليّة إسماعه في أوساطنا. لقد أكّدت نتائج الانتخابات أنّ اليهود في دولة إسرائيل هُم محافظون ومتديّنون في غالبيّتهم. وكذلك المجتمع العربيّ محافظ ومتديّن في غالبيّته. يدلّ هذا المشترك على أنّ هناك قوّة كبيرة تحوزها القيادات الدينيّة داخل الجماعتين - الحاخامون والحاخامات من جهة، والشيوخ والأئمّة من جهة أخرى. على هذه القيادات أن تتحمّل مسؤوليّة إنماء السّلام من أسفل، في أوساط الناس.
ما زال علينا أن نكافح لكي نثبت أنّ الدّين لا ينبغي أن يؤدّي إلى العُنف. الدّين يعمّق الهُويّة ويُضفي معنىً لكنّه أيضاً يضعنا في موقف الخشوع أمام الله وبالتالي التواضُع أمام الآخر. تعلّمنا "المشناه" اليهوديّة (التوراة الشفهيّة) أنّ الإنسان خُلق فرداً وحيداً، لكي لا يقول إنسان لآخر "أبي أهمّ وأكبر من أبيك". إذا كان الله واحداً أحد فهو بالضرورة إله مشترك لنا جميعاً، وهو يهتمّ لأمري كما يهتمّ لأمرك أنت، ويعنيه وجودي كما يعنيه وجودك أنت. النقاش مسموح والخصومة مسموحة، ولكن ممنوع أن ننفي حقّ الآخر في الوجود - وهذا أمرٌ يُفترض أن يذكّرنا الدّين به لا أن يُنسينا إيّاه.
في الفترة الحاليّة يقرأ اليهود في أيّام السّبت عن إسحاق وإسماعيل. من التوراة نتعلّم أنّه رغم كلّ ما عاشه ومرّ به الاثنان جاء كلاهما وشاركا في دفن والدهما إبراهيم عند وفاته. ليس من الضروريّ أن يموت أحد لكي نتعلّم أنّ علينا العيش سويّة. حياتنا المشتركة في هذه البلاد وخاصّة في المدن المختلطة، هي واقع لن يتغيّر. ما الذي ينبغي أن نفعله إزاء ذلك - هذا أمرٌ نقرّره نحن.
أعلم أنّ تقاليدنا جميعاً تشمل أصواتاً مغايرة أيضاً، أصوات تمييز وكراهية
لستُ ساذجاً. أنا أعلم أنّ تقاليدنا جميعاً تشمل أصواتاً مغايرة أيضاً، أصوات تمييز وكراهية. لكنّ هذه الحقيقة بالذّات تضع على عاتقنا كقيادات مسؤوليّة أكبر تدفعنا لإسماع الصّوت الآخر. مسؤوليّتنا أن نعلّم المبادئ الأساسيّة لعقيدتينا، إذ يحدث أنّها تغيب عن البال أحياناً. خالقُنا واحد وأبونا واحد. لا يوجد أب يُرضيه أن يتنازع أولاده ويضرب أحدهم الآخر. هذا أوان القيادات الدينيّة المعتدلة.
[email protected]
أضف تعليق